الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

{ وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ } وهو إنزال المني يقظة أو مناماً، { فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي: في سائر الأوقات، والذين من قبلهم، هم الذين ذكرهم الله بقوله:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ } الآية [النور: 27]. { كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ } ويوضحها، ويفصل أحكامها { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }. وفي هاتين الآيتين فوائد، منها: أن السيد وولي الصغير، مخاطبان بتعليم عبيدهم ومن تحت ولايتهم من الأولاد، العلم والآداب الشرعية، لأن الله وجه الخطاب إليهم بقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ } الآية، ولا يمكن ذلك، إلا بالتعليم والتأديب، ولقوله: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ }. ومنها: الأمر بحفظ العورات، والاحتياط لذلك من كل وجه، وأن المحل والمكان، الذي مظنة لرؤية عورة الإنسان فيه، أنه منهيٌّ عن الاغتسال فيه والاستنجاء، ونحو ذلك. ومنها: جواز كشف العورة لحاجة، كالحاجة عند النوم، وعند البول والغائط، ونحو ذلك. ومنها: أن المسلمين كانوا معتادين للقيلولة وسط النهار، كما اعتادوا نوم الليل، لأن الله خاطبهم ببيان حالهم الموجودة. ومنها: أن الصغير الذي دون البلوغ، لا يجوز أن يُمكّن من رؤية العورة، ولا يجوز أن تُرى عورته، لأن الله لم يأمر باستئذانهم، إلا عن أمر ما يجوز. ومنها: أن المملوك أيضاً، لا يجوز أن يرى عورة سيده، كما أن سيده لا يجوز أن يرى عورته، كما ذكرنا في الصغير. ومنها: أنه ينبغي للواعظ والمعلم ونحوهم، ممن يتكلم في مسائل العلم الشرعي، أن يقرن بالحكم، بيان مأخذه ووجهه، ولا يلقيه مجرداً عن الدليل والتعليل، لأن الله - لما بيَّن الحكم المذكور - علله بقوله: { ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ }. ومنها: أن الصغير والعبد، مخاطبان، كما أن وليهما مخاطب لقوله: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ }. ومنها: أن ريق الصبي طاهر، ولو كان بعد نجاسة، كالقيء، لقوله تعالى: { طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ } مع قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الهرة: " إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات ". ومنها: جواز استخدام الإنسان مَنْ تحت يده، من الأطفال على وجه معتاد، لا يشق على الطفل لقوله: { طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ }. ومنها: أن الحكم المذكور المفصل، إنما هو لما دون البلوغ، فأما ما بعد البلوغ، فليس إلا الاستئذان. ومنها: أن البلوغ يحصل بالإنزال، فكل حكم شرعي رتب على البلوغ، حصل بالإنزال، وهذا مجمع عليه، وإنما الخلاف، هل يحصل البلوغ بالسن، أو الإنبات للعانة، والله أعلم.