هذا تنويه من الله، بذكر عباده المؤمنين، وذكر فلاحهم وسعادتهم، وبأي: شيء وصلوا إلى ذلك، وفي ضمن ذلك، الحث على الاتصاف بصفاتهم، والترغيب فيها. فليَزِنِ العبد نفسه وغيره على هذه الآيات، يعرف بذلك ما معه وما مع غيره من الإيمان، زيادة ونقصاً، كثرة وقلة، فقوله { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي: قد فازوا وسعدوا ونجحوا، وأدركوا كل ما يرام. المؤمنون الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين الذين من صفاتهم الكاملة أنهم { فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ }. والخشوع في الصلاة: هو حضور القلب بين يدي الله تعالى، مستحضراً لقربه، فيسكن لذلك قلبه، وتطمئن نفسه، وتسكن حركاته، ويقل التفاته، متأدباً بين يدي ربه، مستحضراً جميع ما يقوله ويفعله في صلاته، من أول صلاته إلى آخرها، فتنتفي بذلك الوساوس والأفكار الردية، وهذا روح الصلاة، والمقصود منها، وهو الذي يكتب للعبد، فالصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب، وإن كانت مجزئة مثاباً عليها، فإن الثواب على حسب ما يعقل القلب منها. { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ } وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فائدة، { مُّعْرِضُونَ } رغبة عنه، وتنزيهاً لأنفسهم، وترفعاً عنه، وإذا مروا باللغو مروا كراماً، وإذا كانوا معرضين عن اللغو، فإعراضهم عن المحرم من باب أولى وأحرى، وإذا ملك العبد لسانه وخزنه - إلا في الخير - كان مالكاً لأمره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين وصاه بوصايا قال: " " ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ " قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه وقال: " كف عليك هذا " " ، فالمؤمنون من صفاتهم الحميدة، كَفُّ ألسنتهم عن اللغو والمحرمات. { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ } أي مؤدون لزكاة أموالهم، على اختلاف أجناس الأموال، مزكين لأنفسهم من أدناس الأخلاق ومساوئ الأعمال التي تزكو النفس بتركها وتَجنبُّها، فأحسنوا في عبادة الخالق، في الخشوع في الصلاة، وأحسنوا إلى خلقه بأداء الزكاة. { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } عن الزنا، ومن تمام حفظها تَجنُّب ما يدعو إلى ذلك، كالنظر واللمس ونحوهما. فحفظوا فروجهم من كل أحد { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } من الإماء المملوكات { فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } بقربهما، لأن الله تعالى أحلهما. { فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ } غير الزوجة والسرية { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } الذين تعدوا ما أحل الله إلى ما حرمه، المتجرؤون على محارم الله. وعموم هذه الآية، يدل على تحريم نكاح المتعة، فإنها ليست زوجة حقيقة مقصوداً بقاؤها، ولا مملوكة، وتحريم نكاح المحلل لذلك. ويدل قوله { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } أنه يشترط في حل المملوكة، أن تكون كلها في ملكه، فلو كان له بعضها لم تحل، لأنها ليست مما ملكت يمينه، بل هي ملك له ولغيره، فكما أنه لا يجوز أن يشترك في المرأة الحرة زوجان، فلا يجوز أن يشترك في الأمة المملوكة سيدان.