ذكر الله في هذه الآيات أطوار الآدمي وتنقلاته، من ابتداء خلقه إلى آخر ما يصير إليه، فذكر ابتداء خلق أبي النوع البشري آدم عليه السلام، وأنه { مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } أي: قد سلت، وأخذت من جميع الأرض، ولذلك جاء بنوه على قدر الأرض، منهم الطيب والخبيث، وبين ذلك، والسهل والحَزْنُ، وبين ذلك. { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ } أي: جنس الآدميين { نُطْفَةً } تخرج من بين الصلب والترائب، فتستقر { فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } وهو الرحم، محفوظة من الفساد والريح وغير ذلك. { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ } التي قد استقرت قَبْلُ { عَلَقَةً } أي: دماً أحمر، بعد مضي أربعين يوماً من النطفة، { فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ } بعد أربعين يوماً { مُضْغَةً } أي: قطعة لحم صغيرة، بقدر ما يمضغ من صغرها، { فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ } اللينة { عِظَاماً } صلبة، قد تخللت اللحم، بحسب حاجة البدن إليها، { فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً } أي: جعلنا اللحم، كسوة للعظام، كما جعلنا العظام، عماداً للحم، وذلك في الأربعين الثالثة، { ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ } نفخ فيه الروح، فانتقل من كونه جماداً، إلى أن صار حيواناً، { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ } أي: تعالى وتعاظم وكثر خيره { أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ }{ ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } [السجدة: 7-9] فَخَلْقُهُ كله حَسَنٌ، والإنسان من أحسن مخلوقاته، بل هو أحسنها على الإطلاق، كما قال تعالى:{ لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [التين: 4] ولهذا كان خواصه أفضل المخلوقات وأكملها. { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ } الخلق، ونفخ الروح { لَمَيِّتُونَ } في أحد أطواركم وتنقلاتكم، { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ } فتجازون بأعمالكم، حسنها وسيئها. قال تعالى:{ أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ * فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } [القيامة: 36-40].