الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } * { يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } * { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ }

أي: ومن الناس من هو ضعيف الإيمان، لم يدخل الإيمان قلبه، ولم تخالطه بشاشته، بل دخل فيه، إما خوفاً، وإما عادة على وجه لا يثبت عند المحن، { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ } أي: إن استمر رزقه رغداً، ولم يحصل له من المكاره شيء، اطمأن بذلك الخير، لا بإيمانه. فهذا، ربما أن الله يعافيه، ولا يقيض له من الفتن ما ينصرف به عن دينه، { وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ } من حصول مكروه، أو زوال محبوب { ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } أي: ارتد عن دينه، { خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ } أما في الدنيا، فإنه لا يحصل له بالردة ما أمله الذي جعل الردة رأساً لماله، وعوضاً عما يظن إدراكه، فخاب سعيه، ولم يحصل له إلا ما قسم له، وأما الآخرة، فظاهر، حرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض، واستحق النار، { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } أي: الواضح البين. { يَدْعُواْ } هذا الراجع على وجهه { مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } وهذا صفة كل مدعو ومعبود من دون الله، فإنه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً، { ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } الذي قد بلغ في البعد إلى حد النهاية، حيث أعرض عن عبادة النافع الضار، الغني المغني، وأقبل على عبادة مخلوق مثله أو دونه، ليس بيده من الأمر شيء، بل هو إلى حصول ضد مقصوده أقرب، ولهذا قال: { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } فإن ضرره في العقل والبدن والدنيا والآخرة معلوم { لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ } أي: هذا المعبود { وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } أي: القرين الملازم على صحبته، فإن المقصود من المولى والعشير، حصول النفع، ودفع الضرر، فإذا لم يحصل شيء من هذا، فإنه مذموم ملوم.