الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ }

أي: واذكر عبدنا ورسولنا زكريا، منوهاً بذكره، ناشراً لمناقبه وفضائله، التي من جملتها، هذه المنقبة العظيمة المتضمنة لنصحه للخلق، ورحمة الله إياه، وأنه { نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً } أي:قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً } [مريم: 4-6]. من هذه الآيات علمنا أن قوله { رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً } أنه لما تقارب أجله، خاف أن لا يقومَ أحد بعده مقامه في الدعوة إلى الله، والنصح لعباد الله، وأن يكون في وقته فرداً، ولا يخلِّف من يشفعه ويعينه، على ما قام به، { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ } أي: خير الباقين، وخير من خلفني بخير، وأنت أرحم بعبادك مني، ولكني أريد ما يطمئن به قلبي، وتسكن له نفسي، ويجري في موازيني ثوابه. { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ } النبي الكريم، الذي لم يجعل الله له من قبل سمياً. { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } بعدما كانت عاقراً، لا يصلح رحمها للولادة، فأصلح الله رحمها للحمل لأجل نبيه زكريا، وهذا من فوائد الجليس والقرين الصالح، أنه مبارك على قرينه، فصار يحيى مشتركاً بين الوالدين. ولما ذكر هؤلاء الأنبياء والمرسلين، كُلاً على انفراده، أثنى عليهم عموماً فقال: { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } أي: يبادرون إليها ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة، ويكملونها على الوجه اللائق الذي ينبغي، ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها إلا انتهزوا الفرصة فيها، { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً } أي: يسألوننا الأمور المرغوب فيها، من مصالح الدنيا والآخرة، ويتعوذون بنا من الأمور المرهوب منها، من مضار الدارين، وهم راغبون راهبون لا غافلون، لاهون ولا مدلون، { وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } أي: خاضعين متذللين متضرعين، وهذا لكمال معرفتهم بربهم.