الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ } * { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }

وهذا من شدة كفرهم، فإن المشركين إذا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، استهزأوا به وقالوا: { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } [الأنبياء: 36] أي: هذا المحتقر بزعمهم، الذي يسب آلهتكم ويذمها ويقع فيها، أي: فلا تبالوا به، ولا تحتفلوا به. هذا استهزاؤهم واحتقارهم له، بما هو من كماله، فإنه الأكمل الأفضل، الذي من فضائله ومكارمه، إخلاص العبادة لله، وذم كل ما يعبد من دونه وتنقصه، وذكر محله ومكانته، ولكن محل الازدراء والاستهزاء، هؤلاء الكفار، الذين جمعوا كل خلق ذميم، ولو لم يكن إلا كفرهم بالرب وجحدهم لرسله، فصاروا بذلك من أخس الخلق وأرذلهم، ومع هذا فذكرهم للرحمن، الذي هو أعلى حالاتهم، كافرون بها، لأنهم لا يذكرونه، ولا يؤمنون به إلا وهم مشركون، فذكرهم كفر وشرك، فكيف بأحوالهم بعد ذلك؟ ولهذا قال: { وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ } وفي ذكر اسمه { ٱلرَّحْمَـٰنِ } هنا، بيان لقباحة حالهم، وأنهم كيف قابلوا الرحمن - مسدي النعم كلها، ودافع النقم الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه، ولا يدفع السوء إلا إياه - بالكفر والشرك. { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } أي: خلق عجولاً، يبادر الأشياء، ويستعجل بوقوعها، فالمؤمنون يستعجلون عقوبة الله للكافرين، ويتباطؤونها، والكافرون يتولون ويستعجلون بالعذاب، تكذيباً وعناداً، ويقولون: { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } والله تعالى، يمهل ولا يهمل ويحلم، ويجعل لهم أجلاً مؤقتاًفَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [الأعراف: 34] ولهذا قال: { سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي } أي: في انتقامي ممن كفر بي وعصاني { فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } ذلك، وكذلك الذين كفروا يقولون: { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } قالوا هذا القول، اغتراراً، ولما يحق عليهم العقاب، وينزل بهم العذاب. فـ { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } حالهم الشنيعة حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم، إذ قد أحاط بهم من كل جانب، وغشيهم من كل مكان { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } أي: لا ينصرهم غيرهم، فلا نصروا ولا انتصروا، { بَلْ تَأْتِيهِم } النار { بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ } من الانزعاج والذعر والخوف العظيم. { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا } إذ هم أذل وأضعف من ذلك. { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي: يمهلون، فيؤخر عنهم العذاب، فلو علموا هذه الحالة حق المعرفة، لما استعجلوا بالعذاب، ولخافوه أشد الخوف، ولكن لما ترحل عنهم هذا العلم، قالوا ما قالوا، ولما ذكر استهزاءهم برسوله بقولهم: { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } [الأنبياء: 36] سلاَّه بأن هذا دأب الأمم السالفة مع رسلهم، فقال: { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ } أي: نزل بهم { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي: نزل بهم العذاب، وتقطعت عنهم الأسباب، فليحذر هؤلاء، أن يصيبهم ما أصاب أولئك المكذبين.