الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } * { قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } * { قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } * { كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } * { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ }

أي: قال فرعون لموسى على وجه الإنكار: { فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } فأجاب موسى بجواب شاف كاف واضح، فقال: { رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } أي: ربنا الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، الدال على حسن صنعه من خلقه، من كبر الجسم وصغره وتوسطه، وجميع صفاته، { ثُمَّ هَدَىٰ } كل مخلوق إلى ما خلقه له، وهذه الهداية العامة المشاهدة في جميع المخلوقات فكل مخلوق، تجده يسعى لما خلق له من المنافع، وفي دفع المضار عنه، حتى إن الله تعالى أعطى الحيوان البهيم من العقل، ما يتمكن به على ذلك. وهذا كقوله تعالى:ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } [السجدة: 7] فالذي خلق المخلوقات، وأعطاها خلقها الحسن، الذي لا تقترح العقول فوق حسنه، وهداها لمصالحها، هو الرب على الحقيقة، فإنكاره إنكار لأعظم الأشياء وجوداً، وهو مكابرة ومجاهرة بالكذب، فلو قدر أن الإنسان، أنكر من الأمور المعلومة ما أنكر، كان إنكاره لرب العالمين أكبر من ذلك، ولهذا لما لم يمكن فرعون، أن يعاند هذا الدليل القاطع، عدل إلى المشاغبة، وحاد عن المقصود فقال لموسى: { فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } أي: ما شأنهم، وما خبرهم؟ وكيف وصلت بهم الحال، وقد سبقونا إلى الإنكار والكفر، والظلم، والعناد، ولنا فيهم أسوة؟ فقال موسى: { عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى } أي: قد أحصى أعمالهم من خير وشر، وكتبه في كتاب، وهو اللوح المحفوظ، وأحاط به علماً وخبراً، فلا يضل عن شيء منها، ولا ينسى ما علمه منها. ومضمون ذلك، أنهم قدموا إلى ما قدموا، ولاقوا أعمالهم، وسيجازون عليها، فلا معنى لسؤالك واستفهامك يا فرعون عنهم، فتلك أمة قد خلت، لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، فإن كان الدليل الذي أوردناه عليك، والآيات التي أريناكها، قد تحققت صدقها ويقينها، وهو الواقع، فانقد إلى الحق، ودع عنك الكفر والظلم، وكثرة الجدال بالباطل، وإن كنت قد شككت فيها أو رأيتها غير مستقيمة، فالطريق مفتوح وباب البحث غير مغلق، فرد الدليل بالدليل، والبرهان بالبرهان، ولن تجد لذلك سبيلاً، ما دام الملوان. كيف وقد أخبر الله عنه، أنه جحدها مع استيقانها، كما قال تعالى:وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } [النمل: 14] وقال موسى:قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ } [الإسراء: 102] فعلم أنه ظالم في جداله، قصده العلو في الأرض. ثم استطرد في هذا الدليل القاطع، بذكر كثير من نعمه وإحسانه الضروري، فقال: { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } أي: فراشاً بحالة تتمكنون من السكون فيها، والقرار، والبناء، والغراس، وإثارتها للازدراع وغيره، وذللها لذلك، ولم يجعلها ممتنعة عن مصلحة من مصالحكم.

السابقالتالي
2