الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ } * { فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } * { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ } * { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } * { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } * { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } * { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ }

أي: لما أكمل خلق آدم بيده، وعلمه الأسماء، وفضله، وكرمه، أمر الملائكة بالسجود له، إكراماً وتعظيماً وإجلالاً، فبادروا بالسجود ممتثلين، وكان بينهم إبليس، فاستكبر عن أمر ربه، وامتنع من السجود لآدم وقال:أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [الأعراف: 12] فتبينت حينئذ عداوته البليغة لآدم وزوجه، لما كان عدواً لله، وظهر من حسده، ما كان سبب العداوة، فحذر الله آدم وزوجه منه، وقال { فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } إذا أخرجت منها، فإن لك فيها الرزق الهني، والراحة التامة. { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ * وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } أي: تصيبك الشمس بحرها، فضمن له استمرار الطعام والشراب، والكسوة، والماء، وعدم التعب والنصب، ولكنه نهاه عن أكل شجرة معينة فقال:وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } [البقرة: 35] فلم يزل الشيطان يسول لهما، ويزين أكل الشجرة، ويقول: { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ } أي: الشجرة التي من أكل منها خُلِّد في الجنة. { وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } أي: لا ينقطع إذا أكلت منها، فأتاه بصورة ناصح، وتلطف له في الكلام، فاغتر به آدم، وأكلا من الشجرة فَسُقِطَ في أيديهما، وسقطت كسوتهما، واتضحت معصيتهما، وبدا لكلٍ منهما سوأة الآخر، بعد أن كانا مستورين، وجعلا يخصفان على أنفسهما من ورق أشجار الجنة ليستترا بذلك، وأصابهما من الخجل ما الله به عليم. { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } فبادرا إلى التوبة والإنابة، وقالا:رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 23] فاجتباه ربه، واختاره، ويسر له التوبة { فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ } فكان بعد التوبة أحسن منه قبلها، ورجع كيد العدو عليه، وبطل مكره، فتمت النعمة عليه وعلى ذريته، ووجب عليهم القيام بها والاعتراف، وأن يكونوا على حذر من هذا العدو المرابط الملازم لهم، ليلاً ونهاراًيَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [الأعراف: 27].