الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } * { إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } * { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يٰمُوسَىٰ } * { إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى }

يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على وجه الاستفهام التقريري والتعظيم لهذه القصة والتفخيم لها: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } في حاله التي هي مبدأ سعادته، ومنشأ نبوته، أنه رأى ناراً من بعيد، وكان قد ضل الطريق، وأصابه البرد، ولم يكن عنده ما يتدفأ به في سفره. { فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ } أي: أبصرت { نَاراً } وكان ذلك في جانب الطور الأيمن، { لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ } تصطلون به { أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } أي: من يهديني الطريق. وكان مطلبه، النور الحسي والهداية الحسية، فوجد ثمَّ النور المعنوي، نور الوحي، الذي تستنير به الأرواح والقلوب، والهداية الحقيقية، هداية الصراط المستقيم، الموصلة إلى جنات النعيم، فحصل له أمر لم يكن في حسابه، ولا خطر بباله. { فَلَمَّآ أَتَاهَا } أي: النار التي آنسها من بعيد، وكانت - في الحقيقة - نوراً، وهي نار تحرق وتشرق، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " حجابه النور أو النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره " فلما وصل إليها نودي منها، أي: ناداه الله، كما قال:وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } [مريم: 52] { إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } أخبره أنه ربه، وأمره أن يستعد ويتهيأ لمناجاته، ويهتم لذلك، ويلقي نعليه، لأنه بالوادي المقدس المطهر المعظم، ولو لم يكن من تقديسه، إلا أنّ الله اختاره لمناجاته كليمه موسى لكفى، وقد قال كثير من المفسرين: " إن الله أمره أن يلقي نعليه، لأنهما من جلد حمار " فالله أعلم بذلك.