الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ } * { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ }

أمرهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها، والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور، ومن يتصبر يصبره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، يستعان بها على كل أمر من الأمور { وَإِنَّهَا } أي: الصلاة { لَكَبِيرَةٌ } أي: شاقة { إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ } فإنها سهلة عليهم خفيفة لأن الخشوع وخشية الله، ورجاء ما عنده يوجب له فعلها، منشرحاً صدره لترقبه للثواب، وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك، فإنه لا داعي له يدعوه إليها، وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه. والخشوع هو: خضوع القلب وطمأنينته وسكونه لله تعالى، وانكساره بين يديه ذلاًّ وافتقاراً، وإيماناً به وبلقائه. ولهذا قال: { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ } أي: يستيقنون { أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ } فيجازيهم بأعمالهم { وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ } فهذا الذي خفف عليهم العبادات وأوجب لهم التسلي في المصيبات، ونفّس عنهم الكربات، وزجرهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم يؤمن بلقاء ربه، كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشق شيء عليه. ثم كرَّر على بني إسرائيل التذكير بنعمته، وعظاً لهم وتحذيراً وحثّاً. وخوّفهم بيوم القيامة الذي { لاَّ تَجْزِي } فيه، أي: لا تغني { نَفْسٌ } ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين { عَن نَّفْسٍ } ولو كانت من العشيرة الأقربين { شَيْئاً } لا كبيراً ولا صغيراً وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه، { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا } أي: النفس، شفاعة لأحد بدون إذن الله ورضاه عن المشفوع له، ولا يرضى من العمل إلا ما أريد به وجهه، وكان على السبيل والسنة، { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } أي: فداءوَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوۤءِ ٱلْعَذَابِ } [الزمر: 47] ولا يقبل منهم ذلك { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } أي: يدفع عنهم المكروه، فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه، فقوله: { لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ } هذا في تحصيل المنافع، { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } هذا في دفع المضار، فهذا النفي للأمر المستقل به النافع. { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض كالعدل، أو بغيره كالشفاعة، فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين، لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع، وأن يعلقه بالله الذي يجلب المنافع ويدفع المضار، فيعبده وحده لا شريك له، ويستعينه على عبادته.