الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُولَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

كرَّر الإهباط ليرتب عليه ما ذكر وهو قوله: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } أي: أيَّ وقت وزمان جاءكم مني - يا معشر الثقلين - هدىً، أي: رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني، ويدنيكم من رضائي، { فَمَن تَبِعَ هُدَايَ } منكم، بأن آمن برسلي وكتبي واهتدى بهم، وذلك بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب، والامتثال للأمر والاجتناب للنهي، { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }. وفي الآية الأخرى:فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } [طه: 123]. فرتَّب على اتباعُ هداه أربعة أشياء: نفي الخوف والحزن والفرق بينهما أن المكروه إن كان قد مضى أحدث الحزن، وإن كان منتظراً أحدث الخوف، فنفاهما عمن اتبع هداه وإذا انتفيا حصل ضدهما، وهو الأمن التام، وكذلك نفي الضلال والشقاء عمّن اتبع هداه وإذا انتفيا ثبت ضدهما، وهو الهدى والسعادة، فمن اتبع هداه، حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى، وانتفى عنه كل مكروه من الخوف والحزن والضلال والشقاء، فحصل له المرغوب، واندفع عنه المرهوب، وهذا عكس من لم يتبع هداه فكفر به وكذب بآياته. فـ { أُولَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ } أي: الملازمون لها، ملازمة الصاحب لصاحبه، والغريم لغريمه، { هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ } لا يخرجون منها، ولا يفتر عنهم العذاب ولا هم ينصرون. وفي هذه الآيات وما أشبهها، انقسام الخلق من الجن والإنس إلى أهل السعادة، وأهل الشقاوة، وفيها صفات الفريقين والأعمال الموجبة لذلك، وأن الجن كالإنس في الثواب والعقاب، كما أنهم مثلهم في الأمر والنهي. ثم شرع تعالى يذكِّر بني إسرائيل نِعَمَهُ عليهم وإحسانه فقال: { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ... }.