الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } أي: خلق لكم براً بكم ورحمة، جميع ما على الأرض، للانتفاع والاستمتاع والاعتبار. وفي هذه الآية العظيمة دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة، لأنها سيقت في معرض الامتنان، يخرج بذلك الخبائث، فإن [تحريمها أيضاً] يؤخذ من فحوى الآية، ومعرفة المقصود منها، وأنه خلقها لنفعنا، فما فيه ضرر فهو خارج من ذلك، ومن تمام نعمته منعنا من الخبائث تنزيها لنا. وقوله: { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }. { ٱسْتَوَىٰ } ترد في القرآن على ثلاثة معاني: فتارة لا تعدى بالحرف، فيكون معناها الكمال والتمام، كما في قوله عن موسى:وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ } [القصص: 14] وتارة تكون بمعنى " علا " و " ارتفع " ، وذلك إذا عديت بـ " على " كما في قوله تعالى:ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } ، [الأعراف: 54]لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ } [الزخرف: 13] وتارة تكون بمعنى " قصد " كما إذا عديت بـ " إلى " كما في هذه الآية، أي: لما خلق تعالى الأرض قصد إلى خلق السماوات { فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ } فخلقها وأحكمها وأتقنها، { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فـيَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } [سبأ: 2]، ويَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } [النحل: 19] يعلم السرّ وأخفى. وكثيرا ما يقرن بين خلقه للخلق وإثبات علمه كما في هذه الآية، وكما في قوله تعالى:أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [الملك: 14] لأن خلقه للمخلوقات أدل دليل على علمه، وحكمته، وقدرته.