هذا خبر بمعنى الأمر، تنزيلاً له منزلة المتقرر الذي لا يحتاج إلى أمر بأن { يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ }. ولما كان الحول يطلق على الكامل وعلى معظم الحول، قال: { كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } فإذا تم للرضيع حولان فقد تم رضاعه، وصار اللبن بعد ذلك بمنزلة سائر الأغذية، فلهذا كان الرضاع بعد الحولين غير معتبر لا يحرم. ويؤخذ من هذا النص، ومن قوله تعالى:{ وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } [الأحقاف: 15] أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وأنه يمكن وجود الولد بها. { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ } أي: الأب { رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } وهذا شامل لما إذا كانت في حباله أو مطلقة، فإن على الأب رزقها، أي: نفقتها وكسوتها، وهي الأجرة للرضاع. ودل هذا على أنها إذا كانت في حباله، لا يجب لها أجرة غير النفقة والكسوة، وكل بحسب حاله، فلهذا قال: { لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا } فلا يكلف الفقير أن ينفق نفقة الغني، ولا من لم يجد شيئاً بالنفقة حتى يجد، { لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ } أي: لا يحل أن تضار الوالدة بسبب ولدها، إما أن تمنع من إرضاعه، أو لا تعطى ما يجب لها من النفقة والكسوة أو الأجرة، { وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ } بأن تمتنع من إرضاعه على وجه المضارة له، أو تطلب زيادة عن الواجب، ونحو ذلك من أنواع الضرر. ودل قوله: { مَوْلُودٌ لَّهُ } أن الولد لأبيه، لأنه موهوب له، ولأنه من كسبه، فلذلك جاز له الأخذ من ماله رضي أو لم يرض، بخلاف الأم. وقوله: { وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ } أي: على وارث الطفل إذا عدم الأب وكان الطفل ليس له مال، مثل ما على الأب من النفقة للمرضع والكسوة، فدل على وجوب نفقة الأقارب المعسرين، على القريب الوارث الموسر، { فَإِنْ أَرَادَا } أي: الأبوان { فِصَالاً } أي: فطام الصبي قبل الحولين، { عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا } بأن يكونا راضيين { وَتَشَاوُرٍ } فيما بينهما، هل هو مصلحة للصبي أم لا؟ فإن كان مصلحة ورضيا { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } في فطامه قبل الحولين. فدلت الآية بمفهومها على أنه إن رضي أحدهما دون الآخر، أو لم يكن مصلحة للطفل، أنه لا يجوز فطامه. وقوله: { وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ } أي: تطلبوا لهم المراضع غير أمهاتهم على غير وجه المضارة، { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ } أي: للمرضعات، { أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فمجازيكم على ذلك بالخير والشر.