الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } * { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ }

لما أمر تعالى بالإكثار من ذكره، وخصوصاً في الأوقات الفاضلة الذي هو خير ومصلحة وبر، أخبر تعالى بحال من يتكلم بلسانه ويخالف فعله قوله، فالكلام إما أن يرفع الإنسان أو يخفضه فقال: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } أي: إذا تكلم راق كلامه للسامع، وإذا نطق ظننته يتكلم بكلام نافع، ويؤكد ما يقول بأنه { وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ } بأن يخبر أن الله يعلم أن ما في قلبه موافق لما نطق به، وهو كاذب في ذلك، لأنه يخالف قوله فعله. فلو كان صادقاً لتوافق القول والفعل، كحال المؤمن غير المنافق، فلهذا قال: { وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } أي: إذا خاصمته، وجدت فيه من اللدد والصعوبة والتعصب، وما يترتب على ذلك ما هو من مقابح الصفات، ليس كأخلاق المؤمنين الذين جعلوا السهولة مركبهم، والانقياد للحق وظيفتهم، والسماحة سجيتهم. { وَإِذَا تَوَلَّىٰ } هذا الذي يعجبك قوله إذا حضر عندك { سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا } أي: يجتهد على أعمال المعاصي التي هي إفساد في الأرض { وَيُهْلِكَ } بسبب ذلك { ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ } فالزروع والثمار والمواشي تتلف وتنقص وتقل بركتها، بسبب العمل في المعاصي، { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } وإذا كان لا يحب الفساد فهو يبغض العبد المفسد في الأرض، غاية البغض، وإن قال بلسانه قولاً حسناً. ففي هذه الآية دليل على أن الأقوال التي تصدر من الأشخاص ليست دليلاً على صدق ولا كذب، ولا بر ولا فجور، حتى يوجد العمل المصدق لها المزكي لها وأنه ينبغي اختبار أحوال الشهود، والمحق والمبطل من الناس بسبر أعمالهم، والنظر لقرائن أحوالهم، وأن لا يغتر بتمويههم وتزكيتهم أنفسهم. ثم ذكر أن هذا المفسد في الأرض بمعاصي الله، إذا أمر بتقوى الله تكبّر وأنف، و { للَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ } فيجمع بين العمل بالمعاصي والكبر على الناصحين. { فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ } التي هي دار العاصين والمتكبرين، { وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } أي: المستقر والمسكن عذاب دائم، وهم لا ينقطع، ويأس مستمر، لا يخفف عنهم العذاب، ولا يرجون الثواب، جزاء لجناياتهم ومقابلة لأعمالهم، فعياذاً بالله من أحوالهم.