الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }

هذا خطاب للناس كلهم، مؤمنهم وكافرهم، فامتن عليهم بأن أمرهم أن يأكلوا من جميع ما في الأرض، من حبوب وثمار وفواكه وحيوانات، حالة كونها { حَلاَلاً } أي: محللاً لكم تناوله، ليس بغصب ولا سرقة، ولا محصلاً بمعاملة محرمة أو على وجه محرم، أو معيناً على محرم. { طَيِّباً } أي: ليس بخبيث كالميتة والدم ولحم الخنزير، والخبائث كلها، ففي هذه الآية دليل على أن الأصل في الأعيان الإباحة، أكلاً وانتفاعاً، وأن المحرم نوعان: إما محرّم لذاته، وهو الخبيث الذي هو ضد الطيب، وإما محرم لما عرض له، وهو المحرم لتعلق حق الله، أو حق عباده به، وهو ضد الحلال. وفيه دليل على أن الأكل بقدر ما يقيم البنية واجب، يأثم تاركه لظاهر الأمر، ولما أمرهم باتباع ما أمرهم به - إذ هو عين صلاحهم - نهاهم عن اتباع { خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ } أي: طرقه التي يأمر بها، وهي جميع المعاصي من كفر وفسوق وظلم، ويدخل في ذلك تحريم السوائب والحام، ونحو ذلك، ويدخل فيه أيضاً تناول المأكولات المحرمة، { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } أي: ظاهر العداوة، فلا يريد بأمركم إلا غشكم، وأن تكونوا من أصحاب السعير، فلم يكتف ربنا بنهينا عن اتباع خطواته، حتى أخبرنا - وهو أصدق القائلين - بعداوته الداعية للحذر منه، ثم لم يكتف بذلك، حتى أخبرنا بتفصيل ما يأمر به، وأنه أقبح الأشياء، وأعظمها مفسدة فقال: { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ } أي: الشر الذي يسوء صاحبه، فيدخل في ذلك جميع المعاصي، فيكون قوله: { وَٱلْفَحْشَآءِ } من باب عطف الخاص على العام، لأن الفحشاء من المعاصي، ما تناهى قبحه، كالزنا وشرب الخمر، والقتل، والقذف، والبخل، ونحو ذلك مما يستفحشه من له عقل، { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } فيدخل في ذلك القول على الله بلا علم، في شرعه وقدره، فمن وصف الله بغير ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، أو نفى عنه ما أثبته لنفسه، أو أثبت له ما نفاه عن نفسه، فقد قال على الله بلا علم، ومن زعم أن لله نداً، وأوثاناً تقرب من عبدها من الله، فقد قال على الله بلا علم، ومن قال: إن الله أحل كذا أو حرم كذا، أو أمر بكذا، أو نهى عن كذا، بغير بصيرة، فقد قال على الله بلا علم، ومن قال: الله خلق هذا الصنف من المخلوقات للعلة الفلانية بلا برهان له بذلك، فقد قال على الله بلا علم، ومن أعظم القول على الله بلا علم، أن يتأول المتأول كلامه أو كلام رسوله على معانٍ اصطلح عليها طائفة من طوائف الضلال، ثم يقول: إن الله أرادها، فالقول على الله بلا علم من أكبر المحرمات وأشملها وأكبر طرق الشيطان التي يدعو إليها، فهذه طرق الشيطان التي يدعو إليها هو وجنوده، ويبذلون مكرهم وخداعهم على إغواء الخلق بما يقدرون عليه.

السابقالتالي
2