الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ } * { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ }

ما أحسن اتصال هذه الآية بما قبلها، فإنه تعالى لما بين وحدانيته وأدلتها القاطعة، وبراهينها الساطعة الموصلة إلى علم اليقين، المزيلة لكل شك، ذكر هنا أن { مِنَ ٱلنَّاسِ } مع هذا البيان التام من يتخذ من المخلوقين أنداداً لله، أي: نظراء ومثلاء، يساويهم في الله بالعبادة والمحبة، والتعظيم والطاعة. ومن كان بهذه الحالة - بعد إقامة الحجة، وبيان التوحيد - علم أنه معاند لله مشاق له، أو معرض عن تدبر آياته، والتفكر في مخلوقاته، فليس له أدنى عذر في ذلك، بل قد حقت عليه كلمة العذاب. وهؤلاء الذين يتخذون الأنداد مع الله، لا يسوونهم بالله في الخلق والرزق والتدبير، وإنما يسوونهم به في العبادة، فيعبدونهم ليقربوهم إليه، وفي قوله: { يَتَّخِذُ } دليل على أنه ليس لله ند وإنما المشركون جعلوا بعض المخلوقات أنداداً له، تسمية مجردة، ولفظاً فارغاً من المعنى، كما قال تعالى:وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ } [الرعد: 33].إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } [النجم: 23] فالمخلوق ليس نداً لله لأن الله هو الخالق وغيره مخلوق، والرب الرازق ومن عداه مرزوق، والله هو الغني وأنتم الفقراء، وهو الكامل من كل الوجوه، والعبيد ناقصون من جميع الوجوه، والله هو النافع الضار، والمخلوق ليس له من النفع والضر والأمر شيء، فعلم علماً يقيناً بطلان قول من اتخذ من دون الله آلهة وأنداداً، سواء كان ملكاً أو نبياً أو صالحاً أو صنماً أو غير ذلك، وأن الله هو المستحق للمحبة الكاملة والذل التام، فلهذا مدح الله المؤمنين بقوله: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } أي: من أهل الأنداد لأندادهم، لأنهم أخلصوا محبتهم له، وهؤلاء أشركوا بها، ولأنهم أحبوا من يستحق المحبة على الحقيقة، الذي محبته هي عين صلاح العبد وسعادته وفوزه، والمشركون أحبوا من لا يستحق من الحب شيئاً، ومحبته عين شقاء العبد وفساده، وتشتت أمره. فلهذا توعدهم الله بقوله: { وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } باتخاذ الأنداد والانقياد لغير رب العباد وظلموا الخلق بصدهم عن سبيل الله، وسعيهم فيما يضرهم. { إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ } أي: يوم القيامة عياناً بأبصارهم، { أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ } أي: لعلموا علماً جازماً أن القوة والقدرة لله كلها، وأن أندادهم ليس فيها من القوة شيء، فيتبين لهم في ذلك اليوم ضعفها وعجزها، لا كما اشتبه عليهم في الدنيا وظنوا أن لها من الأمر شيئاً، وأنها تقربهم إليه وتوصلهم إليه، فخاب ظنهم وبطل سعيهم، وحق عليهم شدة العذاب، ولم تدفع عنهم أندادهم شيئاً، ولم تغن عنهم مثقال ذرة من النفع، بل يحصل لهم الضرر منها من حيث ظنوا نفعها.

السابقالتالي
2