الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

أي: { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ } في أسفارك وغيرها، وهذا للعموم { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي: جهته. ثم خاطب الأمة عموماً فقال: { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } وقال: { وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } أكده بـ " إن " واللام، لئلا يقع لأحد فيه أدنى شبهة، ولئلا يظن أنه على سبيل التشهي لا الامتثال. { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } بل هو مطلع عليكم في جميع أحوالكم، فتأدبوا معه، وراقبوه بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فإن أعمالكم غير مغفول عنها، بل مجازون عليها أتم الجزاء، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. وقال هنا: { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } أي: شرعنا لكم استقبال الكعبة المشرفة، لينقطع عنكم احتجاج الناس من أهل الكتاب والمشركين، فإنه لو بقي مستقبلاً بيت المقدس لتوجهت عليه الحجة، فإن أهل الكتاب يجدون في كتابهم أن قبلته المستقرة، هي الكعبة البيت الحرام، والمشركون يرون أن من مفاخرهم هذا البيت العظيم وأنه من ملة إبراهيم وأنه إذا لم يستقبله محمد صلى الله عليه وسلم، توجهت نحوه حججهم، وقالوا: كيف يدعي أنه على ملة إبراهيم، وهو من ذريته، وقد ترك استقبال قبلته؟ فباستقبال الكعبة قامت الحجة على أهل الكتاب والمشركين، وانقطعت حججهم عليه. إلا من ظلم منهم، أي: من احتج منهم بحجة هو ظالم فيها، وليس لها مستند إلا اتباع الهوى والظلم، فهذا لا سبيل إلى إقناعه والاحتجاج عليه، وكذلك لا معنى لجعل الشبهة التي يوردونها على سبيل الاحتجاج محلاًّ يؤبه لها، ولا يلقى لها بال، فلهذا قال تعالى: { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } لأن حجتهم باطلة، والباطل كاسمه مخذول، مخذول صاحبه، وهذا بخلاف صاحب الحق، فإن للحق صولة وعزاً، يوجب خشية من هو معه، وأمر تعالى بخشيته التي هي أصل كل خير، فمن لم يخش الله لم ينكف عن معصيته، ولم يمتثل أمره. وكان صرف المسلمين إلى الكعبة مما حصلت فيه فتنة كبيرة، أشاعها أهل الكتاب والمنافقون والمشركون، وأكثروا فيها من الكلام والشبه، فلهذا بسطها الله تعالى وبينها أكمل بيان، وأكدها بأنواع من التأكيدات التي تضمنتها هذه الآيات. منها: الأمر بها ثلاث مرات مع كفاية المرة الواحدة، ومنها: أن المعهود، أن الأمر إما أن يكون للرسول، فتدخل فيه الأمة تبعاً، أو للأمة عموماً، وفي هذه الآية أمر فيها الرسول بالخصوص في قوله: { فَوَلِّ وَجْهَكَ } والأمة عموما في قوله: { فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ }. ومنها: أنه رد فيه جميع الاحتجاجات الباطلة التي أوردها أهل العناد، وأبطلها شبهة شبهة كما تقدم توضيحها، ومنها: أنه قطع الأطماع من اتباع الرسول قبلة أهل الكتاب، ومنها قوله: { وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } فمجرد إخبار الصادق العظيم كاف شاف، ولكن مع هذا قال: { وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ }.

السابقالتالي
2