الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }

هذه الآية الكريمة قد اشتملت على جميع ما يجب الإيمان به. واعلم أن الإيمان الذي هو تصديق القلب التام بهذه الأصول، وإقراره المتضمن لأعمال القلوب والجوارح، وهو بهذا الاعتبار يدخل فيه الإسلام، وتدخل فيه الأعمال الصالحة كلها، فهي من الإيمان، وأثر من آثاره، فحيث أطلق الإيمان، دخل فيه ما ذكر، وكذلك الإسلام، إذا أطلق دخل فيه الإيمان، فإذا قرن بينهما، كان الإيمان اسماً لما في القلب من الإقرار والتصديق، والإسلام اسماً للأعمال الظاهرة وكذلك إذا جمع بين الإيمان والأعمال الصالحة، فقوله تعالى: { قُولُوۤاْ } أي: بألسنتكم متواطئة عليها قلوبكم، وهذا هو القول التام المترتب عليه الثواب والجزاء، فكما أن النطق باللسان بدون اعتقاد القلب، نفاقٌ وكفرٌ، فالقول الخالي من العمل عمل القلب عديم التأثير، قليل الفائدة، وإن كان العبد يؤجر عليه، إذا كان خيراً ومعه أصل الإيمان، لكن فرق بين القول المجرد والمقترن به عمل القلب. وفي قوله: { قُولُوۤاْ } إشارة إلى الإعلان بالعقيدة، والصدع بها والدعوة لها، إذ هي أصل الدين وأساسه. وفي قوله: { آمَنَّا } ونحوه مما فيه صدور الفعل منسوباً إلى جميع الأمة إشارة إلى أنه يجب على الأمة، الاعتصام بحبل الله جميعاً والحث على الائتلاف، حتى يكون داعيهم واحداً، وعملهم متحداً، وفي ضمنه النهي عن الافتراق، وفيه أن المؤمنين كالجسد الواحد. وفي قوله: { قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ } إلخ، دلالة على جواز إضافة الإنسان إلى نفسه الإيمان على وجه التقييد، بل على وجوب ذلك، بخلاف قوله: " أنا مؤمن " ونحوه، فإنه لا يقال إلا مقروناً بالاستثناء بالمشيئة، لما فيه من تزكية النفس، والشهادة على نفسه بالإيمان. فقوله: { آمَنَّا بِٱللَّهِ } أي: بأنه موجودٌ، واحدٌ أحدٌ، متصف بكل صفة كمال، منزه عن كل نقص وعيب، مستحق لإفراده بالعبادة كلها، وعدم الإشراك به في شيء منها، بوجه من الوجوه. { وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا } يشمل القرآن والسنة لقوله تعالى:وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } [النساء: 113] فيدخل فيه الإيمان بما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله، من صفات الباري، وصفات رسله، واليوم الآخر، والغيوب الماضية والمستقبلة، والإيمان بما تضمنه ذلك من الأحكام الشرعية الأمرية، وأحكام الجزاء وغير ذلك. { وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } إلى آخر الآية، فيه الإيمان بجميع الكتب المنزلة على جميع الأنبياء، والإيمان بالأنبياء عموماً، وخصوصاً ما نص عليه في الآية، لشرفهم، ولإتيانهم بالشرائع الكبار. فالواجب في الإيمان بالأنبياء والكتب أن يؤمن بهم على وجه العموم والشمول، ثم ما عرف منهم بالتفصيل، وجب الإيمان به مفصلاً. وقوله: { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ } أي: بل نؤمن بهم كلهم، هذه خاصية المسلمين، التي انفردوا بها عن كل من يدعي أنه على دين.

السابقالتالي
2