الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } * { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ }

أي: قال الجهلة من أهل الكتاب وغيرهم: هلا يكلمنا، كما كلم الرسل، { أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ } ، يعنون آيات الاقتراح، التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة، وآرائهم الكاسدة، التي تجرأوا بها على الخالق، واستكبروا على رسله كقولهم:لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } [البقرة: 55]،يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ } الآية [النساء: 153]، وقالوا:لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ } [الفرقان: 7-8] الآيات وقوله:وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } الآيات [الإسراء: 90]. فهذا دأبهم مع رسلهم، يطلبون آيات التعنت، لا آيات الاسترشاد، ولم يكن قصدهم تبيُّن الحق، فإن الرسل، قد جاؤوا من الآيات، بما يؤمن بمثله البشر، ولهذا قال تعالى: { قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }. فكل موقن، فقد عرف من آيات الله الباهرة، وبراهينه الظاهرة، ما حصل له به اليقين، واندفع عنه كل شك وريب. ثم ذكر تعالى بعض آية موجزة مختصرة جامعة للآيات الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم، وصحة ما جاء به، فقال: { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً } ، فهذا مشتمل على الآيات التي جاء بها، وهي ترجع إلى ثلاثة أمور: الأول: في نفس إرساله، والثاني: في سيرته وهديه ودله، والثالث: في معرفة ما جاء به من القرآن والسنة. فالأول والثاني قد دخلا في قوله: { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ } ، والثالث دخل في قوله: { بِٱلْحَقِّ }. وبيان الأمر الأول وهو - نفس إرساله - أنه قد علم حالة أهل الأرض قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، وما كانوا عليه من عبادة الأوثان والنيران، والصلبان، وتبديلهم للأديان، حتى كانوا في ظلمة من الكفر، قد عمتهم وشملتهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، قد انقرضوا قبيل البعثة. وقد علم أن الله تعالى لم يخلق خلقه سدًى، ولم يتركهم هملاً، لأنه حكيم عليم، قدير رحيم، فمن حكمته ورحمته بعباده أن أرسل إليهم هذا الرسول العظيم، يأمرهم بعبادة الرحمن وحده لا شريك له، فبمجرد رسالته يعرف العاقل صدقه، وهو آية كبيرة على أنه رسول الله، وأما الثاني: فمن عرف النبي صلى الله عليه وسلم معرفة تامة، وعرف سيرته وهديه قبل البعثة، ونشوءه على أكمل الخصال، ثم من بعد ذلك قد ازدادت مكارمه وأخلاقه العظيمة الباهرة للناظرين، فمن عرفها، وسَبَر أحواله، عَرَف أنها لا تكون إلا أخلاق الأنبياء الكاملين، لأن الله تعالى جعل الأوصاف أكبر دليل على معرفة أصحابها وصدقهم وكذبهم. وأما الثالث: فهو معرفة ما جاء به صلى الله عليه وسلم من الشرع العظيم، والقرآن الكريم المشتمل على الإخبارات الصادقة، والأوامر الحسنة، والنهي عن كل قبيح، والمعجزات الباهرة، فجميع الآيات تدخل في هذه الثلاثة. قوله: { بَشِيراً } أي لمن أطاعك بالسعادة الدنيوية والأخروية، { نَذِيراً } لمن عصاك بالشقاوة والهلاك الدنيوي والأخروي. { وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ } أي: لست مسؤولاً عنهم، إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب.