الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

أي: لا أحد أظلم وأشد جرماً، ممن منع مساجد الله عن ذكر الله فيها، وإقامة الصلاة وغيرها من الطاعات. { وَسَعَىٰ } أي: اجتهد وبذل وسعه { فِي خَرَابِهَآ } الحسي والمعنوي، فالخراب الحسي: هدمها وتخريبها وتقذيرها، والخراب المعنوي: منع الذاكرين لاسم الله فيها، وهذا عام لكل من اتصف بهذه الصفة، فيدخل في ذلك أصحاب الفيل وقريش، حين صدوا رسول الله عنها عام الحديبية، والنصارى حين أخربوا بيت المقدس، وغيرهم من أنواع الظَلَمة الساعين في خرابها، محادة لله، ومشاقة. فجازاهم الله، بأن منعهم دخولها شرعاً وقدراً، إلا خائفين ذليلين، فلما أخافوا عباد الله، أخافهم الله، فالمشركون الذين صدوا رسوله، لم يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يسيراً، حتى أذن الله له في فتح مكة، ومنع المشركين من قربان بيته، فقال تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } [التوبة: 28]. وأصحاب الفيل، قد ذكر الله ما جرى عليهم، والنصارى، سلط الله عليهم المؤمنين، فأجلوهم عنه. وهكذا كل من اتصف بوصفهم، فلا بد أن يناله قسطه، وهذا من الآيات العظيمة، أخبر بها الباري قبل وقوعها، فوقعت كما أخبر. واستدل العلماء بالآية الكريمة، على أنه لا يجوز تمكين الكفار من دخول المساجد. لهم خزي في الدنيا أي: فضيحة كما تقدم، { وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }. وإذا كان لا أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، فلا أعظم إيماناً ممن سعى في عمارة المساجد بالعمارة الحسية والمعنوية، كما قال تعالى:إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [التوبة: 18]. بل قد أمر الله تعالى برفع بيوته وتعظيمها وتكريمها، فقال تعالى:فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } [النور: 36]. وللمساجد أحكام كثيرة، يرجع حاصلها إلى مضمون هذه الآيات الكريمة.