الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } * { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } * { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } * { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }

يأمر تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بإقامة الصلاة تامة، ظاهراً وباطناً، في أوقاتها، { لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } أي: ميلانها إلى الأفق الغربي بعد الزوال، فيدخل في ذلك صلاة الظهر وصلاة العصر. { إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ } أي: ظلمته، فدخل في ذلك صلاة المغرب وصلاة العشاء. { وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ } أي: صلاة الفجر، وسميت قرآنا، لمشروعية إطالة القراءة فيها أطول من غيرها، ولفضل القراءة فيها حيث يشهدها الله، وملائكة الليل وملائكة والنهار. ففي هذه الآية، ذكر الأوقات الخمسة، للصلوات المكتوبات، وأن الصلوات الموقعة فيه فرائض، لتخصيصها بالأمر. وفيها: أن الوقت شرط لصحة الصلاة، وأنه سبب لوجوبها، لأن الله أمر بإقامتها لهذه الأوقات. وأن الظهر والعصر يجمعان، والمغرب والعشاء كذلك، للعذر، لأن الله جمع وقتهما جميعاً. وفيه: فضيلة صلاة الفجر، وفضيلة إطالة القراءة فيها، وأن القراءة فيها ركن، لأن العبادة إذا سميت ببعض أجزائها، دلّ على فرضية ذلك. وقوله: { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ } أي: صل به في سائر أوقاته. { نَافِلَةً لَّكَ } أي: لتكون صلاة الليل زيادة لك في علو القدر، ورفع الدرجات، بخلاف غيرك، فإنها تكون كفارة لسيئاته. ويحتمل أن يكون المعنى: أن الصلوات الخمس فرض عليك وعلى المؤمنين، بخلاف صلاة الليل، فإنها فرض عليك بالخصوص، ولكرامتك على الله، أن جعل وظيفتك أكثر من غيرك، وليكثر ثوابك، وتنال بذلك المقام المحمود، وهو المقام الذي يحمده فيه الأولون والآخرون، مقام الشفاعة العظمى، حين يتشفع الخلائق بآدم، ثم بنوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، وكلهم يعتذر ويتأخر عنها، حتى يستشفعوا بسيد ولد آدم، ليرحمهم الله من هم الموقف وكربه، فيشفع عند ربه فيشفعه، ويقيمه مقاماً يغبطه به الأولون والآخرون، وتكون له المنة على جميع الخلق. وقوله: { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } أي: اجعل مداخلي ومخارجي كلها في طاعتك وعلى مرضاتك، وذلك لتضمنها الإخلاص وموافقتها الأمر. { وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } أي: حجة ظاهرة، وبرهاناً قاطعاً على جميع ما آتيه وأذره. وهذا أعلى حالة ينزلها الله العبد، أن تكون أحواله كلها خيراً، ومقربة له إلى ربه، وأن يكون له - على كل حالة من أحواله - دليلا ظاهراً، وذلك متضمن للعلم النافع، والعمل الصالح، للعلم بالمسائل والدلائل. وقوله: { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ } والحق هو ما أوحاه الله إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فأمره الله أن يقول ويعلن، قد جاء الحق الذي لا يقوم له شيء، وزهق الباطل أي: اضمحل وتلاشى. { إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } أي: هذا وصف الباطل، ولكنه قد يكون له صولة وروجان إذا لم يقابله الحق، فعند مجيء الحق يضمحل الباطل، فلا يبقى له حراك. ولهذا لا يروج الباطل إلا في الأزمان والأمكنة الخالية من العلم بآيات الله وبيناته.