الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } * { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } * { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } * { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً }

ينبه تبارك وتعالى عباده على شدة عداوة الشيطان، وحرصه على إضلالهم، وأنه لما خلق الله آدم، استكبر عن السجود له، و { قَالَ } متكبراً: { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } أي: من طين، وبزعمه أنه خير منه، لأنه خلق من نار. وقد تقدم فساد هذا القياس الباطل من عدة أوجه. فلما تبين لإبليس تفضيل الله لآدم { قَالَ } مخاطباً لله: { أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } أي: لأستأصلنهم بالإضلال، ولأغوينهم { إِلاَّ قَلِيلاً } عرف الخبيث، أنه لا بد أن يكون منهم من يعاديه ويعصيه. فقال الله له: { ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } واختارك على ربه ووليه الحق، { فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } أي: مدخراً لكم، موفراً جزاء أعمالكم. ثم أمره الله أن يفعل كل ما يقدر عليه من إضلالهم، فقال: { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } ويدخل في هذا كل داع إلى المعصية. { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } ويدخل فيه كل راكب وماش في معصية الله، فهو من خيل الشيطان ورجله. والمقصود أن الله ابتلى العباد بهذا العدو المبين، الداعي لهم إلى معصية الله، بأقواله وأفعاله. { وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ } وذلك شامل لكل معصية تعلقت بأموالهم وأولادهم، من منع الزكاة والكفارات والحقوق الواجبة، وعدم تأديب الأولاد وتربيتهم على الخير وترك الشر، وأخذ الأموال بغير حقها، أو وضعها بغير حقها، أو استعمال المكاسب الردية. بل ذكر كثير من المفسرين، أنه يدخل في مشاركة الشيطان في الأموال والأولاد، ترك التسمية عند الطعام والشراب والجماع، وأنه إذا لم يسم الله في ذلك، شارك فيه الشيطان، كما ورد فيه الحديث. { وَعِدْهُمْ } الوعود المزخرفة التي لا حقيقة لها، ولهذا قال: { وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } أي: باطلاً مضمحلاً، كأن يزين لهم المعاصي والعقائد الفاسدة، ويعدهم عليها الأجر، لأنهم يظنون أنهم على الحق، وقال تعالى:ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً } [البقرة: 268]. ولما أخبر عما يريد الشيطان أن يفعل بالعباد، وذكر ما يعتصم به من فتنته، وهو عبودية الله، والقيام بالإيمان والتوكل فقال: { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } أي: تسلط وإغواء، بل الله يدفع عنهم - بقيامهم بعبوديته - كل شر، ويحفظهم من الشيطان الرجيم، ويقوم بكفايتهم. { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً } لمن توكل عليه، وأدى ما أمر به.