الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } * { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً }

يذكر تعالى رحمته بعدم إنزاله الآيات التي يقترح بها المكذبون، وأنه ما منعه أن يرسلها إلا خوف من تكذيبهم لها، فإذا كذبوا بها، عاجلهم العقاب، وحل بهم من غير تأخير، كما فعل بالأولين الذين كذبوا بها. ومن أعظم الآيات، الآية التي أرسلها الله إلى ثمود، وهي الناقة العظيمة الباهرة، التي كانت تصدر عنها جميع القبيلة بأجمعها، ومع ذلك كذبوا بها، فأصابهم ما قص الله علينا في كتابه، وهؤلاء كذلك، لو جاءتهم الآيات الكبار لم يؤمنوا، فإنه ما منعهم من الإيمان خفاء ما جاء به الرسول واشتباهه، هل هو حق أو باطل؟ فإنه قد جاء من البراهين الكثيرة، ما دلّ على صحة ما جاء به، الموجب لهداية من طلب الهداية، فغيرها مثلها، فلا بد أن يسلكوا بها ما سلكوا بغيرها، فترك إنزالها والحالة هذه، خير لهم وأنفع. وقوله: { وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } أي: لم يكن القصد بها أن تكون داعية وموجبة للإيمان، الذي لا يحصل إلا بها، بل المقصود منها التخويف والترهيب، ليرتدعوا عن ما هم عليه. { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ } علماً وقدرة، فليس لهم ملجأ يلجؤون إليه، ولا ملاذ يلوذون به عنه، وهذا كاف لمن له عقل في الانكفاف عما يكرهه الله الذي أحاط بالناس. { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً } أكثر المفسرين على أنها ليلة الإسراء. { وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ } التي ذكرت { فِي ٱلقُرْآنِ } وهي شجرة الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم. والمعنى، إذا كان هذان الأمران، قد صارا فتنة للناس حتى استلج الكفار بكفرهم، وازداد شرهم، وبعض من كان إيمانه ضعيفاً، رجع عنه بسبب أن ما أخبرهم به من الأمور التي كانت ليلة الإسراء، ومن الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، كان خارقاً للعادة. والإخبار بوجود شجرة تنبت في أصل الجحيم أيضاً، من الخوارق، فهذا الذي أوجب لهم التكذيب، فكيف لو شاهدوا الآيات العظيمة والخوارق الجسيمة؟!! أليس ذلك أولى أن يزداد بسببه شرهم؟! فلذلك رحمهم الله وصرفها عنهم، ومن هنا تعلم أن عدم التصريح في الكتاب والسنة، بذكر الأمور العظيمة التي حدثت في الأزمنة المتأخرة، أولى وأحسن، لأن الأمور التي لم يشاهد الناس لها نظيراً، ربما لا تقبلها عقولهم لو أخبروا بها قبل وقوعها، فيكون ذلك ريباً في قلوب بعض المؤمنين، ومانعاً يمنع من لم يدخل الإسلام، ومنفراً عنه. بل ذكر الله ألفاظاً عامة، تتناول جميع ما يكون. { وَنُخَوِّفُهُمْ } بالآيات { فَمَا يَزِيدُهُمْ } التخويف { إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً } وهذا أبلغ ما يكون في التملي بالشر ومحبته، وبغض الخير وعدم الانقياد له.