الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُوۤاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } * { قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً } * { أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيباً } * { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً }

يخبر تعالى عن قول المنكرين للبعث، وتكذيبهم به، واستبعادهم بقولهم: { أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً } أي: أجساداً بالية، { أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } أي: لا يكون ذلك، وهو محال بزعمهم، فجهلوا أشد الجهل، حيث كذبوا رسل الله، وجحدوا آيات الله، وقاسوا قدرة خالق السماوات والأرض بقدرتهم الضعيفة العاجزة، فلما رأوا أن هذا ممتنع عليهم لا يقدرون عليه، جعلوا قدرة الله كذلك. فسبحان من جعل خلقاً من خلقه، يزعمون أنهم أولو العقول والألباب، مثالاً في جهل أظهر الأشياء وأجلاها، وأوضحها براهين وأعلاها، ليرى عباده أنه ما ثمَّ إلا توفيقه وإعانته، أو الهلاك والضلال.رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } [آل عمران: 8]. ولهذا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء المنكرين للبعث استبعاداً: { قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ } أي: يعظم { فِي صُدُورِكُمْ } لتسلموا بذلك على زعمكم، من أن تنالكم قدرة الله، أو تنفذ فيكم مشيئته، فإنكم غير معجزي الله، في أي حالة تكونون، وعلى أي وصف تتحولون، وليس لكم في أنفسكم تدبير في حالة الحياة وبعد الممات. فدعوا التدبير والتصريف لمن هو على كل شيء قدير، وبكل شيء محيط. { فَسَيَقُولُونَ } حين تقيم عليهم الحجة في البعث: { مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } فكما فطركم، ولم تكونوا شيئاً مذكوراً، فإنه سيعيدكم خلقاً جديداًكَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } [الأنبياء: 104]. { فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ } أي: يهزونها، إنكاراً وتعجباً مما قلت، { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ } أي: متى وقت البعث الذي تزعمه على قولك؟ لا إقراراً منهم لأصل البعث، بل ذلك سَفَهُ منهم وتعجيز. { قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيباً } فليس في تعيين وقته فائدة، وإنما الفائدة والمدار على تقريره والإقرار به وإثباته، وإلا فكل ما هو آت فإنه قريب. { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ } للبعث والنشور، وينفخ في الصور، { فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ } أي: تنقادون لأمره، ولا تستعصون عليه. وقوله: { بِحَمْدِهِ } أي: هو المحمود تعالى على ما يفعله ويجزي به العباد، إذا جمعهم ليوم التناد. { وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } من سرعة وقوعه، وأن الذي مر عليكم من النعيم كأنه ما كان. فهذا الذي يقول عنه المنكرون: { مَتَىٰ هُوَ }؟ يندمون غاية الندم عند وروده، ويقال لهم:هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } [المطففين: 17].