الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً } * { إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } * { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً } * { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً } * { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً }

يقول تعالى: { وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ } من البر والإكرام، الواجب والمسنون، وذلك الحق، يتفاوت بتفاوت الأحوال، والأقارب، والحاجة وعدمها، والأزمنة. { وَٱلْمِسْكِينَ } آته حقه من الزكاة ومن غيرها، لتزول مسكنته، { وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } وهو الغريب المنقطع به عن بلده، فيعطي الجميع من المال، على وجه لا يضر المعطي، ولا يكون زائداً على المقدار اللائق، فإن ذلك تبذير، قد نهى الله عنه وأخبر: { إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ } لأن الشيطان لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة، فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك، فإذا عصاه، دعاه إلى الإسراف والتبذير. والله تعالى، إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه، كما في قوله عن عباد الرحمن الأبراروَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } [الفرقان: 67]. وقال هنا: { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ } كناية عن شدة الإمساك والبخل. { وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ } فتنفق فيما لا ينبغي، أو زيادة على ما ينبغي. { فَتَقْعُدَ } إن فعلت ذلك { مَلُوماً } أي: تلام على ما فعلت { مَّحْسُوراً } أي: حاسر اليد فارغها، فلا بقي ما في يدك من المال ولا خلفه مدح وثناء. وهذا الأمر بإيتاء ذي القربى، مع القدرة والغنى، فأما مع العدم، أو تعسر النفقة الحاضرة، فأمر تعالى أن يُردُّوا ردّاً جميلاً فقال: { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا } أي: تعرض عن إعطائهم إلى وقتٍ آخر، ترجو فيه من الله تيسير الأمر. { فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً } أي: لطيفاً برفق، ووعد بالجميل، عند سنوح الفرصة، واعتذار بعدم الإمكان في الوقت الحاضر، لينقلبوا عنك مطمئنة خواطرهم، كما قال تعالى:قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى } [البقرة: 263]. وهذا أيضاً من لطف الله تعالى بالعباد، أمرهم بانتظار الرحمة والرزق منه، لأن انتظار ذلك عبادة، وكذلك وَعْدُهُمْ بالصدقة والمعروف عند التيسر، عبادة حاضرة، لأن الهم بفعل الحسنة حسنة، ولهذا ينبغي للإنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير، وينوي فعل ما لم يقدر عليه، ليثاب على ذلك، ولعل الله ييسر له [بسبب رجائه]. ثم أخبر تعالى أنه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده، ويقدره ويضيقه على من يشاء حكمة منه، { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } فيجزيهم على ما يعلمه صالحاً لهم، ويدبرهم بلطفه وكرمه.