الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } * { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } * { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } * { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } * { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } * { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } * { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً }

كثيراً ما يقرن الباري بين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ونبوة موسى صلى الله عليه وسلم، وبين كتابيهما وشريعتيهما، لأن كتابيهما أفضل الكتب، وشريعتيهما أكمل الشرائع، ونبوتيهما أعلى النبوات، وأتباعهما أكثر المؤمنين، ولهذا قال هنا: { وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ } الذي هو التوراة { وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ } يهتدون به في ظلمات الجهل إلى العلم بالحق. { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } أي: وقلنا لهم ذلك، وأنزلنا إليهم الكتاب لذلك، ليعبدوا الله وحده، وينيبوا إليه، ويتَّخذوه وحده وكيلاً ومدبراً لهم، في أمر دينهم ودنياهم، ولا يتعلقوا بغيره من المخلوقين الذين لا يملكون شيئاً، ولا ينفعونهم بشيء. { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } أي: يا ذرية من مننا عليهم، وحملناهم مع نوح، { إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } ففيه التنويه بالثناء على نوح عليه السلام، بقيامه بشكر الله، واتصافه بذلك، والحث لذريته أن يقتدوا به في شكره ويتابعوه عليه، وأن يتذكروا نعمة الله عليهم، إذ أبقاهم واستخلفهم في الأرض وأغرق غيرهم. { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ } أي: تقدمنا وعهدنا إليهم، وأخبرناهم في كتابهم، أنهم لا بد أن يقع منهم إفساد في الأرض مرتين بعمل المعاصي، والبطر لنعم الله، والعلو في الأرض والتكبر فيها، وأنه إذا وقع واحدة منهما، سلط الله عليهم الأعداء، وانتقم منهم، وهذا تحذير لهم وإنذار، لعلهم يرجعون فيتذكرون. { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا } أي: أولى المرتين اللتين يفسدون فيهما. أي: إذا وقع منهم ذلك الفساد { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ } بعثاً قدرياً، وسلطنا عليكم تسليطاً كونياً جزائياً { عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } أي: ذوي شجاعة وعدد وعدة فنصرهم الله عليكم، فقتلوكم وسبوا أولادكم، ونهبوا أموالكم، وجاسوا خلال دياركم فهتكوا الدور، ودخلوا المسجد الحرام وأفسدوه. { وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } لا بد من وقوعه، لوجود سببه منهم. واختلف المفسرون في تعيين هؤلاء المسلطين، إلا أنهم اتفقوا على أنهم قوم كفار. إما من أهل العراق، أو الجزيرة، أو غيرها، سلطهم الله على بني إسرائيل لما كثرت فيهم المعاصي، وتركوا كثيراً من شريعتهم، وطغوا في الأرض. { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ } أي: على هؤلاء الذين سلطوا عليكم، فأجليتموهم من دياركم. { وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ } أي: أكثرنا أرزاقكم، وكثرناكم، وقويناكم عليهم، { وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } منهم، وذلك بسبب إحسانكم وخضوعكم لله. { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ } لأن النفع عائد إليكم، حتى في الدنيا كما شاهدتم من انتصاركم على أعدائكم. { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } أي: فلأنفسكم يعود الضرر، كما أراكم الله من تسليط الأعداء. { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } أي: المرة الآخرة التي تفسدون فيها في الأرض، سلطنا أيضاً عليكم الأعداء. { لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ } بانتصارهم عليكم وسبيكم وليدخلوا المسجد الحرام كما دخلوه أول مرة، والمراد بالمسجد، مسجد بيت المقدس.

السابقالتالي
2