الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ }

لما ذكر فيما تقدم أنه يبعث { فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً } ذكر ذلك أيضاً هنا، وخص منهم هذا الرسول الكريم فقال: { وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ } أي: على أمتك، تشهد عليهم بالخير والشر، وهذا من كمال عدل الله تعالى، أن كل رسول يشهد على أمته، لأنه أعظم اطلاعاً من غيره على أعمال أمته، وأعدل وأشفق من أن يشهد عليهم إلا بما يستحقون. وهذا كقوله تعالى:وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [البقرة: 143]. وقال تعالى:فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ } [النساء: 41-42] وقوله: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ } في أصول الدين وفروعه، وفي أحكام الدارين، وكل ما يحتاج إليه العباد، فهو مبين فيه أتم تبيين، بألفاظ واضحة، ومعان جلية، حتى إنه تعالى يثني فيه الأمور الكبار، التي يحتاج القلب لمرورها عليه كل وقت، وإعادتها في كل ساعة، ويعيدها ويبديها بألفاظ مختلفة وأدلة متنوعة، لتستقر في القلوب فتثمر من الخير والبر بحسب ثبوتها في القلب، وحتى إنه تعالى يجمع في اللفظ القليل الواضح معاني كثيرة، يكون اللفظ لها كالقاعدة والأساس، واعتبر هذا بالآية التي بعد هذه الآية، وما فيها من أنواع الأوامر والنواهي التي لا تحصى، فلما كان هذا القرآن تبياناً لكل شيء صار حجة الله على العباد كلهم. فانقطعت به حجة الظالمين، وانتفع به المسلمون، فصار هدى لهم يهتدون به إلى أمر دينهم ودنياهم، ورحمة ينالون به كل خير في الدنيا والآخرة. فالهدى ما نالوه به من علم نافع، وعمل صالح، والرحمة ما ترتب على ذلك من ثواب الدنيا والآخرة، كصلاح القلب وبره وطمأنينته، وتمام العقل الذي لا يتم إلا بتربيته على معانيه التي هي أجل المعاني وأعلاها، والأعمال الكريمة والأخلاق الفاضلة، والرزق الواسع، والنصر على الأعداء بالقول والفعل، ونيل رضا الله تعالى، وكرامته العظيمة التي لا يعلم ما فيها من النعيم المقيم إلا الرب الرحيم.