الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ }

يُذكّر تعالى عباده نعمه، ويستدعي منهم شكرها والاعتراف بها فقال: { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً } في الدور والقصور ونحوها تُكِنُّكُمْ من الحر والبرد وتستركم، أنتم وأولادكم وأمتعتكم، وتتخذون فيها الغرف والبيوت التي هي لأنواع منافعكم ومصالحكم، وفيها حفظ لأموالكم وحرمكم، وغير ذلك من الفوائد المشاهدة، { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ } إما من الجلد نفسه، أو مما نبت عليه، من صوف وشعر ووبر. { بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا } أي: خفيفة الحمل تكون لكم في السفر والمنازل التي لا قصد لكم في استيطانها، فتقيكم من الحر والبرد والمطر، وتقي متاعكم من المطر، { وَ } جعل لكم { مِنْ أَصْوَافِهَا } أي: الأنعام { وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً } وهذا شامل لكل ما يتخذ منها من الآنية والأوعية والفرش والألبسة والأجلة، وغير ذلك. { وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } أي: تتمتعون بذلك في هذه الدنيا وتنتفعون بها، فهذا مما سخر الله العباد لصنعته وعمله. { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ } أي: من مخلوقاته التي لا صنعة لكم فيها { ظِلاَلاً } وذلك، كأظلة الأشجار والجبال، والآكام ونحوها، { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً } أي: مغارات، تكنكم من الحر والبرد والأمطار والأعداء. { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ } أي: ألبسة وثياباً { تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } ولم يذكر الله البرد، لأنه قد تقدم أن هذه السورة أولها في أصول النعم، وآخرها في مكملاتها ومتمماتها، ووقاية البرد من أصول النعم، فإنه من الضرورة، وقد ذكره في أولها في قولهلَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ } [النحل: 5]. { تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } أي: وثياباً تقيكم وقت البأس والحرب، من السلاح، وذلك، كالدروع والزرد، ونحوها، كذلك يتم نعمته عليكم حيث أسبغ عليكم من نعمه ما لا يدخل تحت الحصر { لَعَلَّكُمْ } إذا ذكرتم نعمة الله، ورأيتموها غامرة لكم من كل وجه { تُسْلِمُونَ } لعظمته وتنقادون لأمره، وتصرفونها في طاعة موليها ومسديها، فكثرة النعم من الأسباب الجالبة من العباد مزيد الشكر، والثناء بها على الله تعالى، ولكن أبى الظالمون إلا تمرداً وعناداً. ولهذا قال الله عنهم: { فَإِن تَوَلَّوْاْ } عن الله وعن طاعته بعد ما ذُكِّروا بنعمه وآياته، { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } أي: ليس عليك من هدايتهم وتوفيقهم شيء بل أنت مطالب بالوعظ والتذكير والإنذار والتحذير، فإذا أديت ما عليك، فحسابهم على الله، فإنهم يرون الإحسان، ويعرفون نعمة الله، ولكنهم ينكرونها ويجحدونها، { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ } لا خير فيهم، وما ينفعهم توالي الآيات، لفساد مشاعرهم وسوء قصودهم، وسيرون جزاء الله لكل جبار عنيد، كفور للنعم، متمرد على الله وعلى رسله.