الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }

يخبر تعالى بفضل المؤمنين الممتحنين { ٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ } أي: في سبيله وابتغاء مرضاته { مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } بالأذية والمحنة من قومهم، الذين يفتنونهم ليردوهم إلى الكفر والشرك، فتركوا الأوطان والخلان، وانتقلوا عنها لأجل طاعة الرحمن، فذكر لهم ثوابين، ثواباً عاجلاً في الدنيا من الرزق الواسع والعيش الهنيء، الذي رأوه عياناً، بعد ما هاجروا، وانتصروا على أعدائهم، وافتتحوا البلدان، وغنموا منها الغنائم العظيمة، فتمولوا وآتاهم الله في الدنيا حسنة. { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ } الذي وعدهم الله على لسان رسوله { أَكْبَرُ } من أجر الدنيا، كما قال تعالى:ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [التوبة: 20-22] وقوله: { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أي: لو كان لهم علم ويقين بما عند الله من الأجر والثواب لمن آمن به وهاجر في سبيله، لم يتخلف عن ذلك أحد. ثم ذكر وصف أوليائه فقال: { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } على أوامر الله وعن نواهيه، وعلى أقدار الله المؤلمة، وعلى الأذية فيه والمحن { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } أي: يعتمدون عليه في تنفيذ محابّه، لا على أنفسهم. وبذلك تنجح أمورهم، وتستقيم أحوالهم، فإن الصبر والتوكل ملاك الأمور كلها، فما فات أحداً شيء من الخير إلا لعدم صبره، وبذل جهده فيما أريد منه، أو لعدم توكله واعتماده على الله.