الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } * { قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } * { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ }

يقول تعالى - مخبراً عن شدة تكذيب المشركين بآيات الله: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ } أي: إذا سئلوا عن القرآن والوحي الذي هو أكبر نعمة أنعم الله بها على العباد، فماذا قولكم به؟ وهل تشكرون هذه النعمة وتعترفون بها، أم تكفرون وتعاندون؟ فيكون جوابهم أقبح جواب وأسمجه، فيقولون عنه: إنه { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أي: كذب اختلقه محمد على الله، وما هو إلا قصص الأولين التي يتناقلها الناس جيلاً بعد جيل، منها الصدق ومنها الكذب، فقالوا هذه المقالة، ودعوا أتباعهم إليها، وحملوا وزرهم ووزر من انقاد لهم إلى يوم القيامة. وقوله: { وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي: من أوزار المقلدين الذين لا علم عندهم إلا ما دعوهم إليه، فيحملون إثم ما دعوهم إليه، وأما الذين يعلمون، فَكُلٌّ مستقلٌّ بجرمه، لأنه عرف ما عرفوا { أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } أي: بئس ما حملوا من الوزر المثقل لظهورهم، من وزرهم ووزر من أضلوه. { قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } برسلهم، واحتالوا بأنواع الحيل على رد ما جاؤوهم به وبنوا من مكرهم، قصوراً هائلة، { فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ } أي: جاءها الأمر من أساسها وقاعدتها، { فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ } فصار ما بنوه عذاباً عذبوا به، { وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } وذلك أنهم ظنوا أن هذا البنيان سينفعهم ويقيهم العذاب، فصار عذابهم فيما بنوه وأصَّلوه. وهذا من أحسن الأمثال في إبطال الله مكر أعدائه. فإنهم فكروا وقدروا فيما جاءت به الرسل لما كذبوهم، وجعلوا لهم أصولاً وقواعد من الباطل يرجعون إليها، ويردون بها ما جاءت [به] الرسل، واحتالوا أيضاً على إيقاع المكروه والضرر بالرسل ومن تبعهم، فصار مكرهم وبالاً عليهم، فصار تدبيرهم فيه تدميرهم، وذلك لأن مكرهم سيِّئوَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [فاطر: 43] هذا في الدنيا، ولعذاب الآخرة أخزى، ولهذا قال: { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ } أي: يفضحهم على رؤوس الخلائق، ويبين لهم كذبهم وافتراءهم على الله. { وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ } أي: تحاربون وتعادون الله وحزبه لأجلهم، وتزعمون أنهم شركاء لله، فإذا سألهم هذا السؤال، لم يكن لهم جواب إلا الإقرار بضلالهم، والاعتراف بعنادهم فيقولونضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } [الأعراف: 37] { قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } أي: العلماء الربانيون { إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ } أي: يوم القيامة { وَٱلْسُّوۤءَ } أي: العذاب { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } وفي هذا فضيلة أهل العلم، وأنهم الناطقون بالحق في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وأن لقولهم اعتباراً عند الله وعند خلقه، ثم ذكر ما يفعل بهم عند الوفاة وفي القيامة فقال: { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } أي: تتوفاهم في هذه الحال التي كثر فيها ظلمهم وغيُّهمْ، وقد علم ما يلقى الظلمة في ذلك المقام، من أنواع العذاب والخزي والإهانة.

السابقالتالي
2