الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ } * { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } * { كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ } * { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } * { عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } * { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ }

يقول تعالى مُمتَنًّاً على رسوله: { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي } وهن - على الصحيح - السور السبع الطوال: " البقرة " و " آل عمران " و " النساء " و " المائدة " و " الأنعام " و " الأعراف " و " الأنفال " مع " التوبة ". أو أنها فاتحة الكتاب لأنها سبع آيات، فيكون عطف " القرآن العظيم " على ذلك، من باب عطف العام على الخاص، لكثرة ما في المثاني من التوحيد، وعلوم الغيب، والأحكام الجليلة، وتثنيتها فيها. وعلى القول بأن " الفاتحة " هي السبع المثاني معناها: أنها سبع آيات، تثنى في كل ركعة، وإذا كان الله قد أعطاه القرآن العظيم مع السبع المثاني، كان قد أعطاه أفضل ما يتنافس فيه المتنافسون، وأعظم ما فرح به المؤمنون،قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس: 58] ولذلك قال بعده: { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ } أي: لا تعجب إعجاباً يحملك على إشغال فكرك بشهوات الدنيا التي تمتع بها المترفون، واغترَّ بها الجاهلون، واسْتَغْن بما آتاك الله من المثاني والقرآن العظيم، { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } فإنهم لا خير فيهم يُرْجَى، ولا نفع يُرْتَقَب. فلك في المؤمنين عنهم أحسن البدل، وأفضل العوض، { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي: ألِنْ لهم جانبك، وحَسِّن لهم خلقك، محبة وإكراماً وتودُّداً، { وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } أي: قم بما عليك من النذارة، وأداء الرسالة، والتبليغ للقريب والبعيد، والعدو، والصديق، فإنك إذا فعلت ذلك، فليس عليك من حسابهم من شيء، وما من حسابك عليهم من شيء. وقوله: { كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } أي: كما أنزلنا العقوبة على المقتسمين على بطلان ما جئت به، الساعين لصد الناس عن سبيل الله. { ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ } أي: أصنافاً وأعضاءً وأجزاءً، يصرفونه بحسب ما يهوونه، فمنهم من يقول: سحر، ومنهم من يقول: كهانة، ومنهم من يقول: مُفْتَرى، إلى غير ذلك من أقوال الكفرة المكذبين به، الذين جعلوا قدحهم فيه ليصدوا الناس عن الهدى. { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } أي: جميع من قدح فيه وعابه، وحرَّفه وبدله { عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وفي هذا أعظم ترهيب وزجر لهم عن الإقامة على ما كانوا عليه. ثم أمر الله رسوله أن لا يبالي بهم ولا بغيرهم، وأن يصدع بما أمر الله، ويعلن بذلك لكل أحد ولا يُعَوْقَنَّهُ عن أمره عائق ولا تَصُدَّه أقوال المتهوكين، { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي: لا تبال بهم، واترك مشاتمتهم ومسابتهم، مقبلاً على شأنك، { إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } بك وبما جئت به وهذا وعد من الله لرسوله، أن لا يضره المستهزئون، وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة.

السابقالتالي
2