الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } * { لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ } * { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }

أي: وقال المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم استهزاء وسخرية: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ } على زعمك { إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } إذ تظن أنا سنتبعك، ونترك ما وجدنا عليه آباءنا لمجرد قولك. { لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ } يشهدون لك بصحة ما جئت به { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } فلما لم تأت بالملائكة فلست بصادق، وهذا من أعظم الظلم والجهل. أما الظلم فظاهر، فإن هذا تجرؤ على الله وتعنت بتعيين الآيات التي لم يخترها، وحصل المقصود والبرهان بدونها من الآيات الكثيرة، الدالة على صحة ما جاء به، وأما الجهل، فإنهم جهلوا مصلحتهم من مضرتهم، فليس في إنزال الملائكة، خير لهم، بل لا ينزل الله الملائكة إلا بالحق الذي لا إمهال على من لم يتبعه وينقد له. { وَمَا كَانُواْ إِذاً } أي: حين تنزل الملائكة، إن لم يؤمنوا، ولن يؤمنوا بـ { مُّنظَرِينَ } أي: بمهملين، فصار طلبهم لإنزال الملائكة تعجيلاً لأنفسهم بالهلاك والدمار، فإن الإيمان ليس في أيديهم، وإنما هو بيد الله،وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } [الأنعام: 111] ويكفيهم من الآيات إن كانوا صادقين، هذا القرآن العظيم ولهذا قال هنا: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ } أي: القرآن الذي فيه ذكرى لكل شيء، من المسائل والدلائل الواضحة، وفيه يتذكر من أراد التذكر، { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } أي: في حال إنزاله، وبعد إنزاله، ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان رجيم، وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله، واستودعه فيها ثم في قلوب أمته، وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص، ومعانيه من التبديل، فلا يحرف محرف معنى من معانيه، إلا وقيض الله له من يبين الحق المبين، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين، ومن حفظه أن الله يحفظ أهله من أعدائهم، ولا يسلط عليهم عدواً يجتاحهم.