يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: { وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } أي: عن تلك القصة العجيبة، فإن في قصك عليهم أنباء الرسل وما جرى لهم، ما يوجب لهم العبرة والاقتداء بهم، خصوصاً إبراهيم الخليل، الذي أمرنا الله أن نتبع ملته، وضيفه هم الملائكة الكرام، أكرمه الله بأن جعلهم أضيافه. { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً } أي: سلموا عليه، فرد عليهم { قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ } أي: خائفون، لأنه لما دخلوا عليه وحسبهم ضيوفاً، ذهب مسرعاً إلى بيته فأحضر لهم ضيافتهم، عجلاً حنيذاً فقدمه إليهم، فلما رأى أيديهم لا تصل، إليه خاف منهم أن يكونوا لصوصاً أو نحوهم. فـ { قَالُواْ } له: { لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ } وهو: إسحاق عليه الصلاة والسلام، تضمنت هذه البشارة بأنه ذكر لا أنثى، عليم أي: كثير العلم، وفي الآية الأخرى{ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } [الصافات: 112]. فقال لهم متعجباً من هذه البشارة: { أَبَشَّرْتُمُونِي } بالولد { عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ } وصار نوع إياس منه { فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } أي: على أي وجه تبشرون وقد عدمت الأسباب؟ { قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِٱلْحَقِّ } الذي لا شك فيه، لأن الله على كل شيء قدير، وأنتم بالخصوص - يا أهل هذا البيت - رحمة الله وبركاته عليكم، فلا يستغرب فضل الله وإحسانه إليكم. { فَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْقَانِطِينَ } الذين يستبعدون وجود الخير، بل لا تزال راجياً لفضل الله وإحسانه، وبره وامتنانه، فأجابهم إبراهيم بقوله: { قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ } الذين لا علم لهم بربهم، وكمال اقتداره وأما من أنعم الله عليه بالهداية والعلم العظيم، فلا سبيل إلى القنوط إليه، لأنه يعرف من كثرة الأسباب والوسائل والطرق لرحمة الله شيئاً كثيراً، ثم لما بشروه بهذه البشارة، عرف أنهم مرسلون لأمر مُهم.