يذكر تعالى نعمته وإحسانه على أبينا آدم عليه السلام، وما جرى من عدوه إبليس، وفي ضمن ذلك التحذير لنا من شره وفتنته، فقال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ } أي آدم عليه السلام { مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } أي: من طين قد يبس، بعد ما خمر، حتى صار له صلصلة وصوت، كصوت الفخار، والحمأ المسنون: الطين المتغير لونه وريحه من طول مكثه. { وَٱلْجَآنَّ } وهو: أبو الجن أي: إبليس { خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ } خلق آدم { مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ } أي: من النار الشديدة الحرارة، فلما أراد الله خلق آدم قال للملائكة: { إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } جسداً تاماً { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } فامتثلوا أمر ربهم. { فَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } تأكيد بعد تأكيد، ليدل على أنه لم يتخلف منهم أحد، وذلك تعظيماً لأمر الله، وإكراماً لآدم حيث علم ما لم يعلموا. { إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } وهذه أول عداوته لآدم وذريته، قال الله: { يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } فاستكبر على أمر الله، وأبدى العداوة لآدم وذريته، وأعجب بعنصره، وقال أنا خير من آدم. { قَالَ } الله معاقباً له على كفره واستكباره { فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } أي: مطرود مبعد من كل خير، { وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ } أي: الذم والعيب، والبعد عن رحمة الله { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } ففيها وما أشبهها دليل، على أنه سيستمر على كفره وبعده من الخير. { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي } أي: أمهلني { إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } وليس إجابة الله لدعائه كرامة في حقه، وإنما ذلك امتحان وابتلاء من الله له وللعباد، ليتبين الصادق الذي يطيع مولاه دون عدوه ممن ليس كذلك، ولذلك حذرنا منه غاية التحذير، وشرح لنا ما يريده منا. { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي أزين لهم الدنيا، وأدعوهم إلى إيثارها على الأخرى، حتى يكونوا منقادين لكل معصية. { وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } أي: أصدهم كلهم عن الصراط المستقيم، { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } أي الذين أخلصتهم واجتبيتهم، لإخلاصهم، وإيمانهم، وتوكلهم. قال الله تعالى: { هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ } أي: معتدل موصل إليَّ، وإلى دار كرامتي. { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } تميلهم به إلى ما تشاء من أنواع الضلالات، بسبب عبوديتهم لربهم وانقيادهم لأوامره، أعانهم الله وعصمهم من الشيطان. { إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ } فرضي بولايتك وطاعتك، بدلاً من طاعة الرحمن، { مِنَ ٱلْغَاوِينَ } والغاوي: ضد الراشد، فهو الذي عرف الحق وتركه، والضال: الذي تركه من غير علم منه به. { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ } أي: إبليس وجنوده، { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ } كل باب أسفل من الآخر، { لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ } أي: من أتباع إبليس { جُزْءٌ مَّقْسُومٌ } بحسب أعمالهم، قال الله تعالى:{ فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } [الشعراء: 94-95]. ولما ذكر تعالى ما أعد لأعدائه أتباع إبليس من النكال والعذاب الشديد، ذكر ما أعد لأوليائه من الفضل العظيم، والنعيم المقيم فقال: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ... }.