الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } * { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ } * { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ }

يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: { وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ } أي: صِفْ لهم صفة تلك الحال وحذُرْهُمْ من الأعمال الموجبة للعذاب، الذي حين يأتي في شدائده وقلاقله، { فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } بالكفر والتكذيب وأنواع المعاصي، نادمين على ما فعلوا، سائلين للرجعة في غير وقتها، { رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } أي: رُدَّنا إلى الدنيا، فإنا قد أبصرنا، { نُّجِبْ دَعْوَتَكَ } والله يدعو إلى دار السلام { وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ } وهذا كله لأجل التخلص من العذاب، وإلا فهم كَذَبةٌ في هذا الوعدوَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [الأنعام: 28]. ولهذا يوبخون ويقال لهم: { أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } عن الدنيا وانتقال إلى الآخرة، فها قد تبين حِنْثكمْ في إقسامكم، وكذبكم فيما تدعون، { وَ } ليس عملكم قاصرٌ في الدنيا من أجل الآيات البينات، بل { سَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ } من أنواع العقوبات؟ وكيف أحل الله بهم العقوبات، حين كذبوا بالآيات البينات، وضربنا لكم الأمثال الواضحة التي لا تدع أدنى شك في القلب إلا أزالته، فلم تنفع فيكم تلك الآيات، بل أعرضتم ودمتم على باطلكم، حتى صار ما صار، ووصلتم إلى هذا اليوم الذي لا ينفع فيه اعتذار من اعتذر بباطل. { وَقَدْ مَكَرُواْ } أي: المكذبون للرسل { مَكْرَهُمْ } الذي وصلت إرادتهم، وقدر لهم عليه، { وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ } أي: هو محيط به علماً وقدرة، فإنه عاد مكرهم عليهموَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [فاطر: 43]. { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } أي: ولقد كان مكر الكفار المكذبين للرسل بالحق، وبمن جاء به - من عظمه - لتزول الجبال الراسيات بسببه عن أماكنها، أي:وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } [نوح: 22] لا يقادر قدره ولكن الله رد كيدهم في نحورهم. ويدخل في هذا كل مَنْ مكر من المخالفين للرسل، لينصر باطلاً، أو يبطل حقاً، والقصد أن مكرهم لم يغن عنهم شيئاً، ولم يضروا الله شيئاً، وإنما ضروا أنفسهم.