الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ }

أي: { وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ } الذي هو سبب لكل شر يقع ووقع في العالم، مخاطباً لأهل النار ومتبرئاً منهم { لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ } ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ } على ألسنة رسله، فلم تطيعوه، فلو أطعتموه لأدركتم الفوز العظيم، { وَوَعَدتُّكُمْ } الخير { فَأَخْلَفْتُكُمْ } أي: لم يحصل ولن يحصل لكم ما منيتكم به من الأماني الباطلة. { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } أي: من حجة على تأييد قولي، { إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي } أي: هذا نهاية ما عندي، أني دعوتكم إلى مرادي وزينته لكم، فاستجبتم لي اتباعاً لأهوائكم وشهواتكم، فإذا كانت الحال بهذه الصورة { فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } فأنتم السبب، وعليكم المدار في موجب العقاب، { مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ } أي: بمغيثكم من الشدة التي أنتم بها { وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } كل له قسط من العذاب. { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ } أي: تبرأت من جعلكم لي شريكاً مع الله، فلست شريكاً لله، ولا تجب طاعتي، { إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ } لأنفسهم بطاعة الشيطان { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } خالدين فيه أبداً. وهذا من لطف الله بعباده، أن حذرهم من طاعة الشيطان، وأخبر بمداخله التي يدخل منها على الإنسان ومقاصده فيه، وأنه يقصد أن يدخله النيران، وهنا بيّن لنا أنه إذا دخل النار وحزبه، أنه يتبرأ منهم هذه البراءة، ويكفر بشركهموَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر: 14]. واعلم أن الله ذكر في هذه الآية أنه ليس له سلطان، وقال في آية أخرىإِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } [النحل: 100] فالسلطان الذي نفاه عنه هو سلطان الحجة والدليل، فليس له حجة أصلاً على ما يدعو إليه، وإنما نهاية ذلك أن يقيم لهم من الشبه والتزيينات ما به يتجرؤون على المعاصي. وأما السلطان الذي أثبته، فهو التسلط بالإغراء على المعاصي لأوليائه يَؤُّزّهُمْ إلى المعاصي أزّاً، وهم الذين سلطوه على أنفسهم بموالاته والالتحاق بحزبه، ولهذا ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. ولما ذكر عقاب الظالمين ذكر ثواب الطائعين فقال: { وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي: قاموا بالدين، قولاً، وعملاً، واعتقاداً، { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } فيها من اللذات والشهوات، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، { خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } أي: لا بحولهم وقوتهم بل بحول الله وقوته { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } أي: يُحيِّي بعضهم بعضاً بالسلام، والتحية والكلام الطيب.