الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } * { وَمَا ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } * { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ }

ينبه تعالى عباده بأنه { أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحقِّ } أي: ليعبده الخلق ويعرفوه، ويأمرهم وينهاهم، وليستدلوا بهما وما فيهما على ما له من صفات الكمال، وليعلموا أن الذي خلق السماوات والأرض - على عظمهما وسعتهما - قادر على أن يعيدهم خلقاً جديداً، ليجازيهم بإحسانهم وإساءتهم، وأن قدرته ومشيئته لا تقصر عن ذلك، ولهذا قال: { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ }. يحتمل أن المعنى: إن يشأ يذهبكم ويأت بقوم غيركم، يكونون أطوع لله منكم، ويحتمل أن المراد أنه: إن يشأ يفنيكم ثم يعيدهم بالبعث خلقاً جديداً، ويدل على هذا الاحتمال ما ذكره بعده من أحوال القيامة. { وَمَا ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } أي: بممتنع بل هو سهل عليه جداً،مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [لقمان: 28]وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [الروم: 27]. { وَبَرَزُواْ } أي: الخلائق { لِلَّهِ جَمِيعاً } حين ينفخ في الصور، فيخرجون من الأجداث إلى ربهم، فيقفون في أرض مستوية قاع صفصف، لا ترى فيها عِوَجَاً ولا أمْتاً، ويبرزون له لا يخفى [عليه] منهم خافية، فإذا برزوا صاروا يتحاجون، وكل يدفع عن نفسه، ويدافع ما يقدر عليه، ولكن أنى لهم ذلك؟ فيقول { ٱلضُّعَفَاءُ } أي: التابعون والمقلدون { لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ } وهم: المتبوعون الذين هم قادة في الضلال: { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } أي: في الدنيا، أمرتمونا بالضلال، وزينتموه لنا فأغويتمونا، { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } أي: ولو مثقال ذرة، { قَالُواْ } أي: المتبوعون والرؤساءأَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا } [القصص: 63] و { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } فلا يغني أحد أحداً، { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ } من العذاب { أَمْ صَبَرْنَا } عليه، { مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } أي: من ملجأ نلجأ إليه، ولا مهرب لنا من عذاب الله.