ينبه تعالى عباده بأنه { أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحقِّ } أي: ليعبده الخلق ويعرفوه، ويأمرهم وينهاهم، وليستدلوا بهما وما فيهما على ما له من صفات الكمال، وليعلموا أن الذي خلق السماوات والأرض - على عظمهما وسعتهما - قادر على أن يعيدهم خلقاً جديداً، ليجازيهم بإحسانهم وإساءتهم، وأن قدرته ومشيئته لا تقصر عن ذلك، ولهذا قال: { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ }. يحتمل أن المعنى: إن يشأ يذهبكم ويأت بقوم غيركم، يكونون أطوع لله منكم، ويحتمل أن المراد أنه: إن يشأ يفنيكم ثم يعيدهم بالبعث خلقاً جديداً، ويدل على هذا الاحتمال ما ذكره بعده من أحوال القيامة. { وَمَا ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } أي: بممتنع بل هو سهل عليه جداً،{ مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [لقمان: 28]{ وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [الروم: 27]. { وَبَرَزُواْ } أي: الخلائق { لِلَّهِ جَمِيعاً } حين ينفخ في الصور، فيخرجون من الأجداث إلى ربهم، فيقفون في أرض مستوية قاع صفصف، لا ترى فيها عِوَجَاً ولا أمْتاً، ويبرزون له لا يخفى [عليه] منهم خافية، فإذا برزوا صاروا يتحاجون، وكل يدفع عن نفسه، ويدافع ما يقدر عليه، ولكن أنى لهم ذلك؟ فيقول { ٱلضُّعَفَاءُ } أي: التابعون والمقلدون { لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ } وهم: المتبوعون الذين هم قادة في الضلال: { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } أي: في الدنيا، أمرتمونا بالضلال، وزينتموه لنا فأغويتمونا، { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } أي: ولو مثقال ذرة، { قَالُواْ } أي: المتبوعون والرؤساء{ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا } [القصص: 63] و { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } فلا يغني أحد أحداً، { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ } من العذاب { أَمْ صَبَرْنَا } عليه، { مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } أي: من ملجأ نلجأ إليه، ولا مهرب لنا من عذاب الله.