يقول تعالى: { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ } لمن عنده { ٱئْتُونِي بِهِ } أي: بيوسف عليه السلام، بأن يخرجوه من السجن ويحضروه إليه، فلما جاء يوسف الرسول وأمره بالحضور عند الملك، امتنع عن المبادرة إلى الخروج، حتى تتبين براءته التامة، وهذا من صبره وعقله ورأيه التام. فـ { قَالَ } للرسول: { ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ } يعني به الملك. { فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } أي: اسأله ما شأنهن وقصتهن، فإن أمرهن ظاهر متضح { إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ }. فأحضرهن الملك، وقال: { مَا خَطْبُكُنَّ } أي: شأنكن { إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ } فهل رأيتن منه ما يريب؟. فَبَرَّأنَهُ و { قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ } أي: لا قليل ولا كثير، فحينئذ زال السبب الذي تنبني عليه التهمة، ولم يبق إلا ما عند امرأة العزيز، فـ { قَالَتِ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ ٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ } أي: تمحض وتبين، بعد ما كنا ندخل معه من السوء والتهمة، ما أوجب له السجن { أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } في أقواله وبراءته، { ذٰلِكَ } الإقرار، الذي أقررت [أني راودت يوسف]، { لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ }. يحتمل أن مرادها بذلك زوجها أي: ليعلم أني حين أقررت أني راودت يوسف، أني لم أخنه بالغيب، أي: لم يَجرِ منِّي إلا مجرد المراودة، ولم أفسد عليه فراشه، ويحتمل أن المراد بذلك ليعلم يوسف حين أقررت أني أنا الذي راودته، وأنه صادق أني لم أخنه في حال غيبته عني، { وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ } فإن كل خائن، لا بد أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولا بد أن يتبين أمره. ثم لما كان في هذا الكلام نوع تزكية لنفسها، وأنه لم يجر منها ذنب في شأن يوسف، استدركت فقالت: { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ } أي: من المراودة والهمِّ، والحرص الشديد، والكيد في ذلك { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ } أي: لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء، أي: الفاحشة، وسائر الذنوب، فإنها مركب الشيطان، ومنها يدخل على الإنسان { إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } فنجاه من نفسه الأمارة، حتى صارت نفسه مطمئنة إلى ربها، منقادة لداعي الهدى، متعاصية عن داعي الردى، فذلك ليس من النفس، بل من فضل الله ورحمته بعبده. { إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي: هو غفور لمن تجرأ على الذنوب والمعاصي، إذا تاب وأناب، { رَّحِيمٌ } بقبول توبته، وتوفيقه للأعمال الصالحة،. وهذا هو الصواب أن هذا من قول امرأة العزيز، لا من قول يوسف، فإن السياق في كلامها، ويوسف إذ ذاك في السجن لم يحضر. فلما تحقق الملك والناس براءة يوسف التامة، أرسل إليه الملك وقال: { ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } أي: أجعله خصيصة لي ومقرباً لديَّ فأتوه به مكرماً محترماً، { فَلَمَّا كَلَّمَهُ } أعجبه كلامه، وزاد موقعه عنده فقال له: { إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا } أي: عندنا { مَكِينٌ أَمِينٌ } أي: متمكن، أمين على الأسرار، فـ { قَالَ } يوسف طلباً للمصلحة العامة: { ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ } أي: على خزائن جبايات الأرض وغلالها، وكيلاً حافظاً مدبراً.