{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } إلى آخر القصة أي: { وَ } أرسلنا { إِلَىٰ مَدْيَنَ } القبيلة المعروفة الذين يسكنون مدين، في أدنى فلسطين { أَخَاهُمْ } في النسب { شُعَيْباً } لأنهم يعرفونه، وليتمكنوا من الأخذ عنه. فـ { قَالَ } لهم: { يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } أي: أخلصوا له العبادة، فإنهم كانوا يشركون به، وكانوا - مع شركهم - يبخسون المكيال والميزان، ولهذا نهاهم عن ذلك فقال: { وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ } بل أوفوا الكيل والميزان بالقسط. { إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ } أي: بنعمة كثيرة وصحة، وكثرة أموال وبنين، فاشكروا الله على ما أعطاكم، ولا تكفروا بنعمة الله فيزيلها عنكم. { وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } أي: عذاباً يحيط بكم، ولا يبقي منكم باقية. { وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } أي: بالعدل الذي ترضون أن تعطوه، { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ } أي: لا تنقصوا من أشياء الناس، فتسرقوها بأخذها بنقص المكيال والميزان. { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } فإن الاستمرار على المعاصي، يفسد الأديان، والعقائد، والدين، والدنيا، ويهلك الحرث والنسل. { بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ } أي: يكفيكم ما أبقى الله لكم من الخير، وما هو لكم، فلا تطمعوا في أمر لكم عنه غنية، وهو ضار لكم جداً. { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } فاعملوا بمقتضى الإيمان، { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } أي: لست بحافظ لأعمالكم ووكيل عليها، وإنما الذي يحفظها الله تعالى، وأما أنا فأبلغكم ما أرسلت به. { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ } أي: قالوا ذلك على وجه التهكم بنبيهم، والاستبعاد لإجابتهم له. ومعنى كلامهم: أنه لا موجب لنهيك لنا، إلا أنك تصلي لله وتتعبد له، أفإن كنت كذلك، أفيوجب لنا أن نترك ما يعبد آباؤنا، لقول ليس عليه دليل إلا أنه موافق لك، فكيف نتبعك ونترك آباءنا الأقدمين أولي العقول والألباب؟! وكذلك لا يوجب قولك لنا: { أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا } ما قلت لنا من وفاء الكيل والميزان، وأداء الحقوق الواجبة فيها، بل لا نزال نفعل فيها ما شئنا لأنها أموالنا، فليس لك فيها تصرف. ولهذا قالوا: في تهكمهم: { إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ } أي: أئنك أنت الذي الحلم والوقار لك خلق، والرشد لك سجية، فلا يصدر عنك إلا رشد، ولا تأمر إلا برشد، ولا تنهى إلا عن غي، أي: ليس الأمر كذلك. وقصدهم أنه موصوف بعكس هذين الوصفين: بالسفه والغواية، أي: أن المعنى: كيف تكون أنت الحليم الرشيد، وآباؤنا هم السفهاء الغاوون؟!! وهذا القول الذي أخرجوه بصيغة التهكم، وأن الأمر بعكسه، ليس كما ظنوه، بل الأمر كما قالوه. إن صلاته تأمره أن ينهاهم، عما كان يعبد آباؤهم الضالون، وأن يفعلوا في أموالهم ما يشاؤون، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأي فحشاء ومنكر، أكبر من عبادة غير الله، ومن منع حقوق عباد الله، أو سرقتها بالمكاييل والموازين، وهو عليه الصلاة والسلام الحليم الرشيد.