يذكر تعالى حال رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من ورثته القائمين بدينه، وحججه الموقنين بذلك، وأنهم لا يوصف بهم غيرهم ولا يكون أحد مثلهم، فقال: { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } بالوحي الذي أنزل الله فيه المسائل المهمة، ودلائلها الظاهرة، فتيقن تلك البينة. { وَيَتْلُوهُ } أي: يتلو هذه البينة والبرهان برهان آخر { شَاهِدٌ مِّنْهُ } وهو شاهد الفطرة المستقيمة، والعقل الصحيح، حين شهد حقيقة ما أوحاه الله وشرعه، وعلم بعقله حسنه، فازداد بذلك إيماناً إلى إيمانه. { وَ } ثَمَّ شاهد ثالث وهو { كِتَابُ مُوسَىٰ } التوراة التي جعلها الله { إِمَاماً } للناس { وَرَحْمَةً } لهم، يشهد لهذا القرآن بالصدق، ويوافقه فيما جاء به من الحق. أي: أفمن كان بهذا الوصف قد تواردت عليه شواهد الإيمان، وقامت لديه أدلة اليقين، كمن هو في الظلمات والجهالات ليس بخارج منها؟! لا يستوون عند الله، ولا عند عباد الله، { أُوْلَـٰئِكَ } أي: الذين وفقوا لقيام الأدلة عندهم، { يُؤْمِنُونَ } بالقرآن حقيقة، فيثمر لهم إيمانهم كل خير في الدنيا والآخرة. { بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ } أي: القرآن { مِنَ ٱلأَحْزَابِ } أي: سائر طوائف أهل الأرض، المتحزبة على رد الحق، { فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ } لا بد من وروده إليها { فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ } أي: في أدنى شك { إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } إما جهلاً منهم وضلالاً، وإما ظلماً وعناداً وبغياً، وإلا فمن كان قصده حسناً وفهمه مستقيماً، فلا بد أن يؤمن به، لأنه يرى ما يدعوه إلى الإيمان من كل وجه.