الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } * { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ } * { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ } * { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ } * { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } * { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } * { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } * { وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } * { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ }

وقوله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } إلى آخر القصة يقول تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ } بن عمران { بِآيَاتِنَا } الدالة على صدق ما جاء به، كالعصا واليد ونحوهما من الآيات التي أجراها الله على يدي موسى عليه السلام. { وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي: حجة ظاهرة بينة، ظهرت ظهور الشمس. { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } أي: أشراف قومه لأنهم المتبوعون وغيرهم تبع لهم، فلم ينقادوا لما مع موسى من الآيات التي أراهم إياها كما تقدم بسطها في سورة الأعراف، ولكنهم { فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } بل هو ضال غاو، لا يأمر إلا بما هو ضرر محض، لا جرم - لما اتبعه قومه - أرداهم وأهلكهم. { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ } أي: في الدنيا { لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي: يلعنهم الله وملائكته والناس أجمعون في الدنيا والآخرة. { بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ } أي: بئس ما اجتمع لهم، وترادف عليهم من عذاب الله، ولعنة الدنيا والآخرة. ولما ذكر قصص هؤلاء الأمم مع رسلهم، قال الله تعالى لرسوله: { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ } لتنذر به، ويكون آية على رسالتك، وموعظة وذكرى للمؤمنين. { مِنْهَا قَآئِمٌ } لم يتلف، بل بقي من آثار ديارهم ما يدل عليهم، { وَ } منها { حَصِيدٌ } قد تهدمت مساكنهم، واضمحلت منازلهم، فلم يبق لها أثر، { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } بأخذهم بأنواع العقوبات { وَلَـٰكِن ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } بالشرك والكفر والعناد. { فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ } وهكذا كل من التجأ إلى غير الله، لم ينفعه ذلك عند نزول الشدائد. { وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } أي: خسار ودمار، بالضد مما خطر ببالهم. { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } ، أي: يقصمهم بالعذاب ويبيدهم، ولا ينفعهم ما كانوا يدعون من دون الله من شيء. { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } المذكور من أخذه للظالمين، بأنواع العقوبات، { لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ } أي: لعبرة ودليلاً على أن أهل الظلم والإجرام لهم العقوبة الدنيوية، والعقوبة الأخروية، ثم انتقل من هذا إلى وصف الآخرة، فقال: { ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ } أي: جمعوا لأجل ذلك اليوم للمجازاة، وليظهر لهم من عظمة الله وسلطانه وعدله العظيم ما به يعرفونه حق المعرفة. { وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } أي: يشهده الله وملائكته وجميع المخلوقين، { وَمَا نُؤَخِّرُهُ } أي: إتيان يوم القيامة { إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } إذا انقضى أجل الدنيا وما قدر الله فيها من الخلق، فحينئذٍ ينقلهم إلى الدار الأخرى، ويجري عليهم أحكامه الجزائية، كما أجرى عليهم في الدنيا أحكامه الشرعية. { يَوْمَ يَأْتِ } ذلك اليوم، ويجتمع الخلق { لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } حتى الأنبياء والملائكة الكرام، لا يشفعون إلا بإذنه، { فَمِنْهُمْ } أي: الخلق { شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } فالأشقياء هم الذين كفروا بالله وكذبوا رسله وعصوا أمره، والسعداء هم: المؤمنون المتقون.

السابقالتالي
2