الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } * { فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } * { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

أي: { قُلْ } لهؤلاء الذين أشركوا بالله، ما لم ينزل به سلطاناً - محتجاً عليهم بما أقروا به من توحيد الربوبية، على ما أنكروه من توحيد الألوهية - { مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } بإنزال الأرزاق من السماء، وإخراج أنواعها من الأرض، وتيسير أسبابها فيها؟ { أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ } أي: من هو الذي خلقهما وهو مالكهما؟، وخصهما بالذكر من باب التنبيه على المفضول بالفاضل، ولكمال شرفهما ونفعهما. { وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ } كإخراج أنواع الأشجار والنبات من الحبوب والنوى، وإخراج المؤمن من الكافر، والطائر من البيضة، ونحو ذلك، { وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ } عكس هذه المذكورات، { وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } في العالم العلوي والسفلي، وهذا شامل لجميع أنواع التدابير الإلهية، فإنك إذا سألتهم عن ذلك { فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ } لأنهم يعترفون بجميع ذلك، وأن الله لا شريك له في شيء من المذكورات. { فَقُلْ } لهم إلزاماً بالحجة { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } الله فتخلصون له العبادة وحده لا شريك له، وتخلعون ما تعبدون من دونه من الأنداد والأوثان. { فَذَلِكُمُ } الذي وصف نفسه بما وصفها به { ٱللَّهُ رَبُّكُمُ } أي: المألوه المعبود المحمود، المربي جميع الخلق بالنعم وهو: { ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ }. فإنه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير لجميع الأشياء، الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه، ولا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو، ذو الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العظيمة والجلال والإكرام. { فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } عن عبادة مَنْ هذا وصفه، إلى عبادة الذي ليس له من وجوده إلا العدم، ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً. فليس له من الملك مثقال ذرة، ولا شركة له بوجه من الوجوه، ولا يشفع عند الله إلا بإذنه، فتباً لمن أشرك به، وويحاً لمن كفر به، لقد عدموا عقولهم بعد أن عدموا أديانهم، بل فقدوا دنياهم وأخراهم. ولهذا قال [تعالى] عنهم: { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } بعد ما أراهم الله من الآيات البينات والبراهين النيرات ما فيه عبرة لأولي الألباب، وموعظة للمتقين وهدى للعالمين.