الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

وهذا المثل من أحسن الأمثلة، وهو مطابق لحالة الدنيا، فإن لذاتها وشهواتها وجاهها ونحو ذلك يزهو لصاحبه إن زها وقتاً قصيراً، فإذا استكمل وتم اضمحل، وزال عن صاحبه، أو زال صاحبه عنه، فأصبح صفر اليدين منها، ممتلئ القلب من همها وحزنها وحسرتها. فذلك { كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } أي: نبت فيها من كل صنف، وزوج بهيج { مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ } كالحبوب والثمار { وَ } مما تأكل { ٱلأَنْعَامُ } كأنواع العشب، والكلأ المختلف الأصناف. { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ } أي: تزخرفت في منظرها، واكتست في زينتها، فصارت بهجة للناظرين، ونزهة للمتفرجين، وآية للمتبصرين، فصرت ترى لها منظراً عجيباً ما بين أخضر، وأصفر، وأبيض وغيره. { وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ } أي: حصل معهم طمع بأن ذلك سيستمر ويدوم، لوقوف إرادتهم عنده، وانتهاء مطالبهم فيه. فبينما هم في تلك الحالة { أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ } أي: كأنها ما كانت فهذه حالة الدنيا، سواء بسواء. { كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } أي: نبينها ونوضحها، بتقريب المعاني إلى الأذهان، وضرب الأمثال { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } أي: يعملون أفكارهم فيما ينفعهم. وأما الغافل المعرض، فهذا لا تنفعه الآيات، ولا يزيل عنه الشك البيان، ولما ذكر الله حال الدنيا وحاصل نعيمها، شَوَّق إلى الدار الباقية، فقال: { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ... }.