الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } * { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } * { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَٰهِيمَ وَأَصْحَـٰبِ مَدْيَنَ وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

شرح الكلمات:

المنافقون: أي الذين يظهرون للمؤمنين الإِيمان بألسنتهم ويسترون الكفر في قلوبهم.

بعضهم من بعض: أي متشابهون في اعتقادهم وقولهم وعملهم فأمرهم واحد.

بالمنكر: أي ما ينكره الشرع لضرره أو قبحه وهو الكفر بالله ورسوله.

عن المعروف: أي ما عرفه الشرع نافعاً فأمر به من الإِيمان والعمل الصالح.

يقبضون أيديهم: أي يمسكونها عن الإِنفاق في سبيل الله.

نسوا الله فنسيهم: أي تركوا الله فلم يؤمنوا به وبرسوله فتركهم وحرمهم من توفيقه وهدايته.

عذاب مقيم: أي دائم لا يزول ولا يبيد.

بخلاقهم: أي بنصيبهم وحظهم من الدنيا.

وخضتم: أي في الكذب والباطل.

والمؤتفكات: أي المنقلبات حيث صار عاليها سافلها وهي ثلاث مدن.

بالبينات: الآيات الدالة على صدقهم في رسالاتهم إليهم.

معنى الآيات:

ما زال السياق في هتك استار المنافقين وبيان فضائهم لعلهم يتوبون. قال تعالى { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } أي كأبعاض الشيء الواحد وذلك لأن أمرهم واحد لا يختلف بعضهم عن بعض في المعتقد والقول العمل بيّن تعالى حالهم بقوله { يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ } وهذا دليل على انتكاسهم وفساد قلوبهم وعقولهم، إذ هذا عكس ما يأمر به العقلاء، والمراد من المنكر الذي يأمرون به هو الكفر والعصيان، والمعروف الذي ينهون عنه هو الإِيمان بالله ورسوله وطاعتهما. وقوله تعالى { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } كناية عن الإِمساك وعدم البذل في الإِنفاق في سبيل الله. وقوله { نَسُواْ ٱللَّهَ } فلم يؤمنوا به ولم يؤمنوا برسوله ولم يطيعوا الله ورسوله { فَنَسِيَهُمْ } الله بأن تركهم محرومين من كل هداية ورحمة ولطف. وقوله { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } تقرير لمعنى { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } ، إذ كفرهم بالله وبرسوله هو الذي حرمهم هداية الله تعالى ففسقوا سائر أنواع الفسق فكانوا هم الفاسقين الجديرين بهذا الوصف وهو الفسق والتوغل فيه. وقوله تعالى في الآية [68] { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ } أي كافيهم { وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } أي دائم لا يزول ولا يبيد ولا يفنى فقد حملت هذه الآية أشد وعيد لأهل النفاق والكفر إذ توعدهم الرب تعالى بنار جهنم خالدين فيها وبالعذاب المقيم الذي لا يبارحهم ولا يتركهم لحظة أبد الأبد وذلك بعد أن لعنهم الله فأبعدهم وأسحقهم من كل رحمة وخير. وفي الآية الثالثة [69] يأمر تعالى رسوله أن يقول للمنافقين المستهزئين بالله وآياته ورسوله: أنتم أيها المنافقون كأولئك الذين كانوا من قبلكم في الاغترار بالمال والولد والكفر بالله والتكذيب لرسوله حتى نزل بهم عذاب الله ومضت فيهم سنته في إهلاكهم هذا ما تضمنته الآية الكريمة إذ قال تعالى { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ } أي بنصيبهم الذي كتب لهم في الدنيا { فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ } أي بما كتب لكم في هذه الحياة الدنيا { كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } أي سواء بسواء { وَخُضْتُمْ } في الباطل والشر وبالكفر والتكذيب { كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ } أي كخوضهم سواء بسواء أولئك الهالكون { حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلآخِرَةِ } أي تلاشت وذهبت ولم ينتفعوا منها بشيء، { وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ }.

السابقالتالي
2