الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } * { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { ذٰلِكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ } * { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

شرح الكلمات:

زحفاً: أي زاحفين لكثرتهم ولبطىء سيرهم كأنهم يزحفون على الأرض.

فلا تولوهم الأدبار: أي لا تنهزموا فتفروا أمامهم فتولونهم أدباركم.

متحرفاً لقتال: أي مائلاً من جهة إلى أخرى ليتمكن من ضرب العدو وقتاله.

أو متحيزاً إلى فئة: أي يريد الانحياز إلى جماعة من المؤمنين تقاتل.

فقد باء بغضب: أي رجع من المعركة مصحوباً بغضب من الله تعالى لمعصيته إياه.

وليبلي: أي لينعم عليهم بنعمة النصر والظفر على قلة عددهم فيشكروا.

فئتكم: مقاتلتكم من رجالكم الكثيرين.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن غزوة بدر وما فيها من جلال النعم وخفي الحكم ففي أولى هذه الآيات ينادي الرب تبارك وتعالى عباده المؤمنين فيقول { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً } أي وأنتم وإياهم زاحفون إلى بعضكم البعض { فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } أي لا تنهزموا أمامهم فتعطوهم أدباركم فتمكنوهم من قتلكم، إنكم أحق بالنصر منهم، وأولى بالظفر والغلب إنكم مؤمنون وهم كافرون فلا يصح منكم انهزام أبداً { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } اللهم { إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ } أي مائلاً من جهة إلى أخرى ليكون ذلك أمكن له في القتال { أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ } أي منحازاً إلى جماعة من المؤمنين تقاتل فيقاتل معها ليقويها أو يقوى بها، من ولى الكافرين دبره في غير هاتين الحالتين { فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } أي رجع من جهاده مصحوباً بغضب من الله { وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } وذلك بعد موته وانتقاله إلى الآخرة، وقوله تعالى { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ } يخبر تعالى عباده المؤمنين الذين حرم عليهم التولي ساعة الزحف وتوعدهم بالغضب وعذاب النار يوم القيامة أنهم لم يقتلوا المشركين على الحقيقة وإنما الذي قتلهم هو الله فهو الذي أمرهم وأقدرهم وأعانهم، ولولاه ما قتل أحد ولا مات فليعرفوا هذا حتى لا يخطر ببالهم أنهم هم المقاتلون وحدهم. وحتى رمي رسوله المشركين بتلك التي وصلت إلى جل أعين المشركين في المعركة فأذهلتهم وحيرتهم بل وعوقتهم عن القتال وسببت هزيمتهم كان الله تعالى هو الرامى الذي أوصل التراب إلى أعين المشركين، إذ لو ترك الرسول صلى الله عليه وسلم لقوته لما وصلت حثية التراب إلى أعين الصف الأول من المقاتلين المشركين، ولذا قال تعالى { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } وقوله تعالى { وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً } أي فعل تعالى ذلك القتل بالمشركين والرمي بإيصال التراب إلى أعينهم ليذل الكافرين ويكسر شوكتهم { وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي ولينعم عليهم الأنعام الحسن بنصرهم وتأييدهم في الدنيا وإدخالهم الجنة في الآخرة. وقوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } بمقتضى هاتين الصفتين كان الإِبلاء الحسن، فقد سمع تعالى أقوال المؤمنين واستغاثتهم به، وعلم ضعفهم وحاجتهم فأيدهم ونصرهم فكان ذلك منه إبلاء حسناً، وقوله تعالى { ذٰلِكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ } أي ذلكم القتل والرمي والإِبلاء كله حق واقع بقدرة الله تعالى { وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ } أي مضعف { كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ } فكلما كادوا كيداً بأوليائه وأهل طاعته أضعفه وأبطل مفعوله، وله الحمد والمنة.

السابقالتالي
2