الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

شرح الكلمات:

ولقد جئناهم: أي أهل مكة أولاً ثم سائر الناس.

بكتاب: القرآن العظيم.

فصلناه على علم: بيناه على علم منَّا فبيّنا حلاله وحرامه ووعده ووعيده وقصصه ومواعظه وأمثاله.

تأويله: تأويل ما جاء في الكتاب من وعد ووعيد أي عاقبة ما أنذروا به.

وضل عنهم: أي ذهب ولم يعثروا عليه.

في ستة أيام: هي الأحد إلى الجمعة.

يغشي الليل النهار: يغطي كل واحد منهما الآخر عند مجيئه.

حثيثاً: سريعاً بلا انقطاع.

مسخرات: مذللات.

ألا: أداة استفتاح وتنبيه (بمنزلة ألو للهاتف).

له الخلق والأمر: أي له المخلوقات والتصرف فيها وحده لا شريك له.

تبارك: أي عظمت قدرته، وجلت عن الحصر خيراته وبركاته.

العالمين: كل ما سوى الله تعالى فهو عالم أي علامة على خالقه وإلهه الحق.

معنى الآيات:

بعد ذلك العرض لأحوال الناس يوم القيامة ومشاهد النعيم والجحيم أخبر تعالى أنه جاء قريشاً لأجل هدايتهم بكتاب عظيم هو القرآن الكريم وفصّله تفصيلاً فبينّ التوحيد ودلائله، والشرك وعوامله، والطاعة وآثارها الحسنة والمعصية وآثارها السيئة في الحال والمآل وجعل الكتاب هدى أي هادياً ورحمة يهتدي به المؤمنون وبه يرحمون.

هذا ما تضمنته الآية الأولى [52] وهي قوله تعالى: { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } وأما الآية الثانية [53] فقد استبطأ الحق تعالى فيها إيمان أهل مكة الذين جاءهم بالكتاب المفصّل المبيَّن فقال: { هَلْ يَنظُرُونَ } أي ما ينظرون { إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } أي عاقبة ما أخبر به القرآن من القيامة وأهوالها، والنّار وعذابها، وعندئذ يؤمنون، وهل ينفع يومئذ الإِيمان؟ وهاهم أولاء يقولون { يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ } وينكشف الغطاء عما وعد به، { يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ } أي قبل وقوعه، وذلك في الحياة الدنيا، نسوه فلم يعملوا بما ينجيهم فيه من العذاب يقولون: { قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ } اعترفوا بما كانوا به يجحدون ويكذبون ثم يتمنون ما لا يتحقَّق لهم أبداً فيقولون: { فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ } إلى الدنيا { فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } من الشرك والشر والفساد. وتذهب تمنياتهم أدراج الرياح، ولم يُرعْهُمْ إلا الإِعلان التالي: { قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } خسروا أنفسهم في جهنم، وضاع منهم كلَّ أمل وغاب عنهم ما كانوا يفترون من أنَّ آلهتهم وأولياءهم يشفعون لهم فينجونهم من النار ويدخلونهم الجنة.

وفي الآية الأخيرة يقول تعالى لأولئك المتباطئين في إيمانهم { إِنَّ رَبَّكُمُ } الذي يُحبُّ ان تعبدوه وتدعوه وتتقربوا إليه وتطيعوه { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ } هذا هو ربكم الحق وإلهكم الذي لا إله لكم غيره، ولا ربَّ لكم سواه، أمّا الأصنام والأوثان فلن تكون ربّاً ولا إلهاً لأحد أبداً لأنّها مخلوقة غير خالقة وعاجزة عن نفع نفسها، ودفع الضّر عنها فكيف بغيرها؟ إنّ ربَّكم ومعبودكم الحقّ الذي له الخلق كلّه ملكاً وتصرفاً وله الأمر وحده يتصرف كيف يشاء في الملكوت كله.

السابقالتالي
2