الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } * { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ }

شرح الكلمات:

خزائن: جمع خزانة أو خزينة ما يخزن فيه الشيء ويحفظ.

الغيب: ما غاب عن العيون وكان محصلاً في الصدور وهو نوعان غيب حقيقي وغيب إضافي فالحقيقي ما لا يعلمه إلا الله تعالى، والإِضافي ما يعلمه أحد ويجهله آخر.

أنذر به: خوّف به أي بالقرآن.

الغداة: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والعشي من صلاة العصر إلى غروب الشمس.

فتطردهم: أي تبعدهم من مجلسك.

فتنا: ابتلينا بعضهم ببعض الغني بالفقير، والشريف بالوضيع.

من الله علينا: أي أعطاهم الفضل فهداهم إلى الإِسلام دوننا.

بالشاكرين: المستوجبين لفضل الله ومنته بسبب إيمانهم وصالح أعمالهم.

معنى الآيات:

ما زال السياق مع العادلين بربهم الأصنام المنكرين للنبوة المحمدية فأمر الله تعالى رسوله أن يقول لهم: { لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ } أي خزائن الأرزاق { وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } أي ولا أقول لكم إني أعلم الغيب، { وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ } من الملائكة ما أنا إلا عبد رسول أتبع ما يوحي إلي ربي فأقول وأعمل بموجب وحيه إلي. ثم قال له اسألهم قائلاً { هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ }؟ والجواب لا، فكذلك لا يستوي المؤمن والكافر، والمهدي والضال { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } أي ما لكم لا تتفكرون فتهتدوا للحق وتعرفوا سبيل النجاة. هذا ما دلت عليه الآية الأولى [50] أما الآية الثانية [51] فإن الله تعالى يأمر رسوله أن ينذر بالقرآن المؤمنين العاصين فقال { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ } يوم القيامة وهم مذنبون، وليس لهم من دون الله ولي ولا شفيع فهؤلاء ينفعهم إنذارك بالقرآن أما الكفرة المكذبون فهم كالأموات لا يستجيبون وهذا كقوله تعالى من سورة قفَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } [الآية: 45] فهؤلاء إن أنذرتهم يرجى لهم أن يتقوا معاصي الله ومعاصيك أيها الرسول وهو معنى قوله تعالى: { لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }. هذا ما تضمنته الآية الثانية [51] أما الآية الثالثة [52] وهي قوله تعالى { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } فإن بعض المشركين في مكة اقترحوا على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبعد من مجلسه فقراء المؤمنين كبلال وعمار وصهيب حتى يجلسوا إليه ويسمعوا عنه فهمَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفعل رجاء هداية أولئك المشركين فنهاه الله تعالى عن ذلك بقوله { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } في صلاة الصبح، وصلاة العصر، يريدون وجه الله ليرضى عنهم ويقربهم ويجعلهم من أهل ولايته وكرامته، ومبالغة في الزجر عن هذا الهم قال تعالى: { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } أي ما أنت بمسؤول عن خطاياهم إن كانت لهم خطايا، ولا هم بمسئولين عنك فلم تطردهم إذاً؟ { فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } أي فلا تفعل، ولم يفعل صلى الله عليه وسلم وصبر عليهم وحبس نفسه معهم وفي الآية الأخيرة [53] يقول تعالى: { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } أي هكذا ابتلينا بعضهم ببعض هذا غني وذاك فقير، وهذا وضيع وذاك شريف، وهذا قوي وذاك ضعيف ليؤول الأمر ويقول الأغنياء الشرفاء للفقراء الضعفاء من المؤمنين استخفافاً بهم واحتقاراً لهم: أهؤلاء الذين من الله عليهم بيننا بالهداية والرشد قال تعالى: { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ }.

السابقالتالي
2