الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } * { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

شرح الكلمات:

لا تحرموا: التحريم: المنع أي لا تمتنعوا.

ما أحل الله لكم: أي ما أباحه لكم وأذن لكم فيه من نكاح وطعام وشراب.

حلالاً طيباً: مباحاً غير مستقذر ولا مستخبث.

لا يؤاخذكم الله باللغو: لا يعاقبكم الله باللغو الذي هو ما كان بغير قصد اليمين.

عقدتم الأيمان: عزمتم عليها بقلوبكم بأن تفعلوا أو لا تفعلوا.

من أوسط: أغلبه ولا هو من أعلاه، ولا هو من أدناه.

أهليكم: من زوجة وولد.

تحرير رقبة: عتقها من الرق القائم بها.

يبين الله لكم آياته: المتضمنة لأحكام دينه من واجب وحلال وحرام.

معنى الآيات:

الآيتان الأولى [87] والثانية [88] نزلتا في بعض الصحابة منهم عبد الله بن مسعود وعثمان بن مظعون وغيرهما كانوا قد حضروا موعظة وعظهم إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم فزهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة. وعزموا على التبتل والانقطاع عن الدنيا فأتوا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وسألوها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيامه فكأنهم تقالوه ذلك فقال أحدهم: أنا لا آتي النساء، وقال آخر: أنا أصوم لا أفطر الدهر كله وقال آخر: أنا أقوم فلا أنام، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس، وقال: " ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وإني وأنا رسول الله لآكل اللحم، وأصوم وأفطر وأصلي وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " ونزلت هذه الآية، { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } من طعام وشراب ونساء، { وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ } بمجاوزة ما أحل لكم إلى ما حرم عليكم فإن الله تعالى ربكم { لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً } أما الحرام فلا يكون رزقاً لكم، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي خافوه بترك الغلوّ والتنطع المفضي بكم إلى الترهب ولا رهبانية في الإِسلام. { ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } أي رباً يشرع فيحلل ويحرم، وإلهاً يطاع ويعبد، هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى والثانية أما الآية الثالثة وهي قوله تعالى: { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ } فقد نزلت لما قال أولئك الرهط من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم (لقد حلفنا على ما عزمنا عليه من التبتل فماذا نصنع بأيماننا) فبين لهم تعالى ما يجب عليهم في أيمانهم لما حنثوا فيها بعدولهم عما حلفوا عليه فقال: { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ } وهو ما لا قصد للحلف فيه وإنما جرى لفظ اليمين على اللسان فقط نحو: لا والله أو بلى والله، ومثله أن يحلف على الشيء يظنه كذا فيظهر على خلاف ما ظن، { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ } أي قصدتموها عازمين عليها، فمن حنث بعد الحلف فالواجب في حقه خروجاً من الإِثم كفَّارة وهي { إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ } لكل مسكين نصف صاع أي مدَّان من أعدل { مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } ما هو بالأجود الغالي، ولا بالأردأ الرخيص، { أَوْ كِسْوَتُهُمْ } كقميص وعمامة، أو إزار ورداء، { أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } أي عتق رقبة مؤمنة ذكراً كان أو أنثى صغيرة أو كبيرة فهذه الثلاثة المؤمن مخّير في التكفير بأيها شاء، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام مفرقة أو متتابعة كما شاء هذا معنى قوله تعالى { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ } ، وقوله { ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ } أي هذا الذي بين لكم هو ما تكفِّرون به ما علق بنفوسكم من إثم الحنث.

السابقالتالي
2