الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ } * { أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }

شرح الكلمات:

الكتاب: القرآن الكريم.

من الكتاب: اسم جنس بمعنى الكتب السابقة قبله كالتوراة والإِنجيل.

مهيمناً عليه: حاكما عليه أي محققاً للحق الذي فيه، مبطلاً للباطل الذي الْتَصق به.

شرعة ومنهاجاً: شريعة تعملون بها وسبيلاً تسلكونه لسعادتكم وكمالكم من سنن الهدى.

أمة واحدة: لا اختلاف بينكم في عقيدة ولا في عبادة ولا قضاء.

فاستبقوا: أي بادروا فعل الخيرات ليفوز السابقون.

أن يفتنوك: يضلوك عن الحق.

فإن تولوا: أعرضوا عن قبول الحق الذي دعوتهم إليه وأردت حكمهم به.

حكم الجاهلية: هو ما عليه أهل الجاهلية من الأحكام القبلية التي لا تقوم على وحي الله تعالى وإنما على الآراء والأهواء.

معنى الآيات:

لما ذكر تعالى إنزاله التوراة وأن فيها الهدى والنور وذكر الإِنجيل وأنه أيضاً فيه الهدى والنور ناسب ذكر القرآن الكريم فقال: { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } أي القرآن { بِٱلْحَقِّ } متلبساً به لا يفارقه الحق والصدق لخلوه من الزيادة والنقصان حال كونه { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } من الكتب السابقة، ومهيمناً عليها حفيظاً حاكما فالحق ما أحقه منها والباطل ما أبطله منها. وعليه { فَٱحْكُم } يا رسولنا بين اليهود والمتحاكمين إليك { بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } إليك بقتل القاتل ورجم الزاني لا كما يريد اليهود { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } في ذلك وَتَرُكَ ما جاءك من الحق، واعلم أنا جعلنا لكل أمة شرعة ومنهاجاً أي شرعاً وسبيلاً خاصاً يسلكونه في إسعادهم وإكمالهم، { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } على شريعة واحدة لا تختلف في قضاياها وأحكامها لفعل، ولكن نوع الشرائع فأوجب وأحل ونهى وحرم في شريعة ولم يفعل ذلك في شريعة أخرى من أجل أن يبتليكم فيما أعطاكم وأنزل عليكم ليتبين المطيع من المعاصي والمهتدي من الضال، وعليه فَهَلُمَّ { فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ } أي بادروا الأعمال الصالحة وليجتهد كل واحد أن يكون سابقاً، فإن مرجعكم إليه تعالى { فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } ، ثم يجزيكم الخير بمثله والشر إن شاء كذلك. هذا ما دلت عليه الآية الأولى أما الآية الثانية [49] فقد أمر الله تعالى فيها رسوله ونهاه وحذره وأعلمه وندد بأعدائه أمره أن يحكم بين من يتحاكمون إليه بما أنزل عليه من القرآن فقال: { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } ونهاه أن يتبع أهواء اليهود فقال: { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } وحذره من أن يتبع بعض آرائهم فيترك بعض ما أنزل عليه ولا يعمل به ويعمل بما اقترحوه عليه فقال: { وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } وأعلمه أن اليهود إن تولوا أي أعرضوا عن قبول حكمه وهو الحكم الحق العادل فإنما يريد الله تعالى أن ينزل بهم عقوبة نتيجة ما قارفوا من الذنوب وما ارتكبوا من الخطايا فقال: { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ }.

السابقالتالي
2