الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ ٱلْوَلِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ } * { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } * { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

شرح الكلمات:

ولو بسط الله الرزق لعباده: أي لو وسع الرزق لجميع عباده.

لبغوا في الأرض: أي لطغوا في الأرض جميعا.

ولكن ينزل بقدر ما يشاء: أي ينزل من الأرزاق ما يشاء فيبسط ويضيق.

إنه بعباده خبير بصير: أي إنه بأحوال عباده خبير إذ منهم من يفسده الغنى ومنهم من يصلحه ومنهم من يصلحه الفقر ومنهم من يفسده.

وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا: أي المطر من بعد يأسهم من نزوله.

وينشر رحمته: أي بركات المطر ومنافعه في كل سهل وجبل ونبات وحيوان.

وهو الولي الحميد: أي المتولي لعباده المؤمنين المحسن إليهم المحمود عندهم.

وما بث فيهما من دابة: أي فرق ونشر من كل ما يدب على الأرض من الناس وغيرهم.

وهو على جمعهم إذا يشاء قدير: أي للحشر والحساب والجزاء يوم القيامة قدير.

وما أصابكم من مصيبة: أي بليه وشدة من الشدائد كالمرض والفقر.

فيما كسبت أيديكم: أي من الذنوب والآثام.

ويعفو عن كثير: أي منها فلا يؤاخذ به، وما عفا عنه في الدنيا لا يؤاخذ به في الآخرة.

وما أنتم بمعجزين في الأرض: أي وَلَسْتم بفائتي الله ولا سابقيه هرباً منه إذا أراد مؤاخذتكم بذنبكم.

معنى قوله:

قوله تعالى: { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ } هذا شروع في عرض مظاهر القدرة والعلم والحكمة الموجبة لربوبية الله تعالى المستلزمة لألوهيته على عبادته فقال تعالى: { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ } أي رب العباد الرزق فوسعه عليهم لبغوا في الأرض فطغا بعضهم على بعض وظلم بعضهم بعضا ولزم ذلك فساد كبير في الأرض قد تتعطل معه الحياة بكاملها.

ولكن ينزل بقدر ما يشاء أي ينزل من الأرزاق بمقادير محددة حسب تدبيره لحياة عباده ويدل على هذا قوله إنه بعباده خبير بصير أي إنه بما تتطلبه حياة عباده ذات الآجال المحدودة، والأعمال المقدرة الموزونة، والنتائج المعلومة أزلاً. هذا مظهر من مظاهر العلم والقدرة والحكمة ومظهر آخر في قوله، { وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } ، فإِنْزَالُ المطر بكميات ومقادير محدودة وفي أماكن محددة، وفي ظروف محددة هذا التصرف ما قام إلا على مبدأ القدرة القاهرة والخبرة التامة، إنه يمنع عن عباده المطر فيمحلوا ويجدبوا حتى ييأسوا ويظهر عجزهم وعجزا آلهتهم التي يعبدونها ظلما فاضحاً إذ لا تستحق العبادة بحال من الأحوال ثم ينزل الغيث وينشر الرحمة فتعم الأرزاق والخيرات والبركات، وهو الولي الذي لا تصلح الولاية لغيره الحميد أي المحمود بصنائع بره وعوائد خيره ومظاهر رحمته. هو الولي بحق والمحمود بحق، ومظهر آخر في قوله تعالى ومن آياته الدالة على وجوده وقدرته وعلمه وحكمته الموجبة لربوبيته لسائر خلقه والمستلزمة لألوهيته على سائر عباده: { خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } إيجادهما بما هما عليه من عجائب الصفة، وما بث أي فرق ونشر فيهما من دابة تدب على الأرض، أو ملك يسبح في السماء.

السابقالتالي
2